عالمي

قد يسمع بومبيو لو صُلمت أذناه!

الادارات الامريكية التي تعاقبت على البيت الابيض كانت تعتبر نفسها هي “الفيصل بين الحق والباطل”، فكل ما تقوله او تفعله هو الحق حتى لو كان ما تقوله يتناقض مع ابسط البديهيات الانسانية والسياسية والاخلاقية والاقتصادية، او ما تفعله هو غزو الشعوب واحتلال الدول ونهب ثرواتها،  وفي المقابل كل ما يقوله الاخر هو باطل ومرفوض ولابد من التصدي له اذا خالف الرؤية الامريكية.

العالم – يقال ان

هذه الرؤية الامريكية تكثفت بشكل فظيع في زمن ادارة الرئيس العنصري والمتطرف والارعن والجشع دونالد ترامب ومن يحيطون به، فهي تتحدث عن القضية الفلسطينية والقدس وكأن الشعب الفلسطيني غير موجود على الارض، وتتحدث عن ثروات ونفط السعودية وكأنها خالصة لامريكا ولابد ان تنفق من اجل مكافحة البطالة بين الامريكيين وكأن لا وجود لشعب يعيش في جزيرة العرب، وتتحدث عن مصالح امريكا في العالم وكأن لا مصالح للدول الاخرى، وتخرج من المعاهدات والاتفاقيات الدولية وتنتهك القوانين والاعراف الدولية دون اي اعتناء للعلاقات الدولية والنظام العالمي، وتفرض حصارا ظالما احادي الجانب ترفضه الامم المتحدة والاسرة الدولية طال حتى الدواء الغذاء على ايران وكأن لا وجود لشعب يتجاوز الثمانين مليون نسمة في ايران يكافحون تفشي وباء كورونا.

ادارة ترامب تتحدث مع العالم من جانب واحد، فهي لا تسمع ولاترى، الا ما تريد ان تسمعه وتراه هي ، فهي تتحدث مع العلم بينما أذناها واحدة من طين والاخرى من عجين ، فلا تسعى من وراء اي تفاوض او حوار او تواصل مع اي دولة في العالم، الا لتحقيق اهدفها ومصالحها هي فقط ولا ترى للطرف الاخر من اهداف او مصلحة او حتى حق سوى ما تتفضل هي عليه، فالتفاوض والحوار بالنسبة لها يعني ان تحصل امريكا على كل شيء والا يحصل الجانب الاخر على شيء.

يمكن تلمس هذه الرؤية الطاغوتية لامريكا في علاقتها مع العراق، فبعد ان غزت امريكا العراق بذريعة وجود اسلحة دمار شامل، رغم معارضة العلم اجمع، ولكنها وبعد ان انكشفت كذبتها حاولت تبرير الغزو واحتلالها العراق ، باسقاط دكتاتورية الطاغية صدام حسين واقامة “نظام ديمقراطي” في هذا البلد، وعندما قاوم الشعب العراقي الاحتلال الامريكي، اخرجت امريكا من مختبراتها فيروسات القاعدة و”داعش” ونشرتها بين العراقيين، لخلق الفتن الطائفية بين ابناء الشعب الواحد، وعندما وقف العراقيون وقفة رجل واحد بوجه “داعش” والعصابات التكفيرية، بعد فتوى الجهاد الكفائي التي طلقها سماحة السيد السيستاني، انتقمت امريكا من قادة النصر على “داعش” ومشغليها، باغتيالها القائدين الشهيدين قاسم سليماني وابو مهدي المهندس.

بعد جريمة اغتيال القائدين الشهيدين سليماني والمهندس، طالب البرلمان العراقي بغالبيته بخروج المحتل الامريكي واغلاق جميع قواعده العسكرية التي تنتشر كالسرطان في العراق، وطالبت الحكومة العراقية رسميا من الادارة الامريكية بسحب قواتها في العراق واغلاق قواعدها بعد جريمة الاغتيال وانتفاء الحاجة لها بعد انتصار الشعب العراقي على “داعش”.

من اجل ان يصل صوت الرفض العراقي بشكل واضح الى اذان الادارة الامريكية التي رفضت الاصغاء لنداء الحكومة العراقية وقرار البرلمان للانسحاب من العراق، خرج ملايين العراقيين في تظاهرات غير مسبوقة في العراق احتجاجا على جريمة اغتيال الشهيدين سليماني والمهندس ورفضا للوجود الامريكي غير الشرعي في العراق، ولكن حتى صوت هذه الملايين الهادرة لم تخترق أذان ادارة ترامب الصماء.

رغم كل هذا الرفض العراقي الواضح والصريح على المستوى الحكومي والبرلماني والشعبي للوجود الامريكي غير الشرعي، تقوم امريكا بنصب بطاريات صوارخ باتريوت في قاعدة عين الاسد وقاعدة حرير في كردستان العراق!!، كما خرج وزير خارجية امريكا مايك بومبيو ليعلن يوم امس الثلاثاء ان امريكا اقترحت ان تبحث ، في اطار حوار يبدأ في منتصف حزيران يونيو المقبل ، كل القضايا الاستراتيجية ومنها مستقبل الوجود العسكري الامريكي في العراق مع رئيس وزراء عراقي يخدم مصلحة الشعب العراقي!!، ولم ينس ان يذكر العراقيين أنه “لا يجب أن يؤدي فيروس كورونا إلى الحد من قدرات امريكا على محاربة تنظيم داعش في العراق”.

هل بات هناك من يشك بقولنا ان اذان ترامب ورفاقه في ادارته العنصرية المتعجرفة، من طين وعجين، بعد تصريحات بومبيو الوقحة؟ الم يسمع بومبيو من رئيس الوزراء العراقي رسميا بسحب قواته من العراق؟، الم يسمع بالقرار المدوي للبرلمان العراقي بسحب قواته من العراق واغلاق قواعده العسكرية؟، اذا لم يسمع هذا ولا ذاك، الم يسمع الملايين الهادرة من العراقيين الذين خرجوا ليعلنوا بصوت واحد خروج المحتل الامريكي من العراق؟.

اللافت ان بومبيو الثرثار ورفاقه في ادارة العنصري ترامب لم يحاولوا حتى التصرف ولو ظاهريا بطريقة توحي انهم سمعوا صوت العراقيين الرافض لوجودهم، بل على العكس تماما ارسلوا بطاريات صواريخ باتريوت لنصبها في قواعدهم المرفوضة اصلا من العراقيين، والاخبث من ذلك، نرى بومبيو يشترط على العراقيين وجود “رئيس وزراء عراقي يخدم مصلحة العراق” لتتحاور معه امريكا حول وجودها غير الشرعي في العراق!!.

بات واضحا للعراقيين من اليوم الاول ان امريكا لن تترك العراق بإرادتها، وهذا الامر يتطلب صوتا اقوى من الاصوات التي ارتفعت حتى الان، فالطاغوت الامريكي لا يعير اي اهمية لا لديمقراطية ولا للتظاهرات الشعبية ولا لقرارات البرلمان ولا لمواقف الحكومة ، فهذا الطاغوت لا يرى للعراقيين الا ما يرى، فعندما يتحدث عن “رئيس وزراء عراقي يخدم مصلحة العراق” ، فهو يعني رئيس وزراء يخدم مصلحة امريكا والكيان الاسرائيلي، وعندما يتحدث عن حوار ، فانه يتحدث عن حوار طرشان يستمر اعوام واعوام فقط للمماطلة والتسويف وذر الرماد في العيون، ولكن فات الطاغوت الامريكي امرا في غاية البديهية، وهو ان العراقيين اصحاب الحضارات والتاريخ العريق وابطال ثورة العشرين ومن قبروا “داعش” ومخططات امريكا، قادرون على ايصال صوتهم الى بومبيو بعد ان يصلموا أذنيه.

نجم الدين نجيب

المصدر : قناة العالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى