مقالات

جائحة کورونا.. والتجربة الايرانية

لسنا هنا بصدد الكشف عمّن يقف وراء تفشي فيروس كورونا الجديد في العالم، ومناقشة النظريات التي تتهم الولايات المتحدة في الدرجة الاولى بنشر الفيروس التاجي بشكل متعمد في اطار الحرب البيولوجية التي تشنها ضد خصومها.

العالم-مقالات

ما نحن بصدده هو أن الفيروس تحول الى وباء عالمي ولا يقتصر على بلد دون آخر، واذا كانت بعض البلدان رأت نفسها انها في منأى عنه وانها محصنة منه، أو البلدان التي تتكتم على عدد الوفيات والاصابات جراء الوباء لكي لا يختل الامن فيها وتقع الفوضى؛ فان ذلك لا يجدي ويتعين عليها الرضوخ للامر الواقع والانخراط في الحملات العالمية أو الاقليمية لمكافحة هذه الجائحة.

العالم يقف اليوم مكتوف اليدين تجاه هذه الجائحة ولا يدري ما الذي يفعله في علاج الفيروس سوى الوقاية، وعلى الرغم من انه حدد طبيعة الفيروس وأعراض الذين يصابون به، واكد ان خطورته تتزايد ضد كبار السن، الا انه عجز عن اكتشاف العقار الذي يقضي عليه، في مثل هذه الظروف أليس من الضروري تكاتف العالم برمته لمواجهة فيروس كورونا، أليس الاستمرار في الخلافات وفرض العقوبات في هذه الظروف يعد قمة في الانانية والدناءة؟

وفي هذا الاطار بماذا يمكن تصنيف اعتراض الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي يوم أمس على مشروع قرار روسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة يقضي بالتخلي عن فرض العقوبات على الدول المتضررة من فيروس كورونا؟ من المؤكد انها وصمة عار في جبين هذه الدول.

وأدنى معنى يمكن أن يحمله هذا الرفض والاعتراض هو، أن الذين يعارضون مشروع القرار الروسي لا يأبهون لحياة الناس، إن لم يكونوا يستهدفون حياتهم عندما يفرضون العقوبات عليهم، بينما نرى أن الصين وروسيا وبعض الدول ضربت أروع الأمثلة عندما قدمت مساعدات انسانية للدول التي تختلف معها، وهذا ما فعلته الصين وروسيا تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن الطبيعي أن تواجه الدول التي تتعرض للحظر والعقوبات تحديا أكبرا في تصديها ومواجهتها للجائحة، فاليوم تمتنع معظم الشركات العالمية الناشطة في المجال الطبي والصحي من التعاون مع ايران، خشية أن تقوم الادارة الأمريكية بفرض عقوبات عليها، غير أن ذلك لم يمنع السلطات الايرانية من القيام بمسؤولياتها على أفضل وجه، بل لا نبالغ اذا قلنا ان على سائر الدول أن تتعلم من التجربة الايرانية في تصديها للجائحة.

طهران لم تتكتم (كما اتهمتها بعض الجهات المعادية) على حقيقة ما يجري فمنذ اليوم الأول عن اكتشاف اول حالتي اصابة بفيروس كورونا في مدينة قم أعلنت عن ذلك بشكل علني ودون اي تحفظ، بل أن مختبر جامعة طهران قال إن وزير الصحة الايراني اعلن عن وجود الفيروس بعد ساعتين من اكتشاف المختبر أن الشخصين الذين توفيا في مدينة قم كانا مصابين بمرض كورونا، وقامت السلطات الايرانية بتشكيل هيئة عليا لمكافحة كورونا ولا يمر يوم الا وتعلن عن عدد الاصابات والوفيات والمتعافين من المرض.

كما أن طهران لم تفرض حظر التجول في المدن، ولكنها تشجع وتحث الناس على التزام البيوت وعدم الخروج الى الشوارع والسفر الى المدن في هذه الظروف الا للضرورة القصوى، كتسوق الحاجيات الضرورية للمنزل، وفي نفس الوقت منعت التجمعات وكل ما من شأنه يؤدي الى التجمعات فاغلقت المدارس والجامعات وقللت ساعات الدوام في الدوائر وحرصت على تنفيذ مشروع العمل عن بعد، وأرجأت مسابقات الألعاب الرياضية الى أجل غير مسمى، ودخلت جميع المستشفيات الايرانية في حالة الاستنفار والطوارئ القصوى، كما استنفرت القوات المسلحة لتقديم المساعدة في تعقيم المناطق العامة واقامة المراكز الصحية والمستشفيات الميدانية، والحد من حركة المواطنين وانتقالهم من مدينة الى أخرى.

ربما يتسائل البعض لماذا حصيلة الاصابات بفيروس كورونا لا تزال شبه مرتفعة في الوقت الذي نتحدث فيه عن نجاح التجربة؟ والسبب في ذلك يعود الى أن سكان ايران لم يشاركوا جميعهم في نظام الفحص من الاصابة بفيروس كورونا، فقد خصصت وزارة الصحة رقما خاصا لاتصال المواطنين والاستفسار عن كورونا، كما وضع الموقع الالكتروني للوزارة تطبيقا لاكتشاف المصابين بالفيروس، وروجت بشكل كثيف لذلك وحثت الايرانيين على الاتصال بالرقم أو استخدام التطبيق ومع أن التحقق من الاصابة بالفيروس جرى على أكثر من 65 مليون مواطن الا أن العملية لا تزال مستمرة وبقي نحو 20 مليون ايراني لم يتم فحصهم، لذلك ومع استمرار عملية الفحص والكشف تظهر حالات اصابة هنا وهناك، غير أن أعداد الوفيات في تناقص مستمر، كما أن عدد المتعافين في تزايد مستمر.

الى جانب جميع وسائل وأدوات وآليات الوقاية التي تستخدمها السلطات الايرانية لمنع تفشي الوباء والسيطرة والتحكم فيه وهي لا تختلف كثيرا عن الوسائل والأدوات والآليات التي تستخدمها كافة دول العالم؛ فهناك ثلاث هيئات رسمية تعكف حاليا على محاولة كشف عقار لعلاج المصابين بالفيروس.

سيد صالح قزويني حائري

المصدر : قناة العالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى