عربي

يوم المخفيين قسراً.. آلاف الضحايا المصريين والسلطة تنفي اعتقالهم

لم يكن الطبيب البيطري المصري إسلام الشافعي قد تجاوز الثلاثين من عمره عندما اختفى قسرياً قبل أربع سنوات، ففي 26 يوليو/ تموز 2018، اختفى تماماً.

العالم – مصر

هذا وتبدأ شقيقته وأصدقاؤه وعدد من المحامين رحلة البحث عنه في أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم والمستشفيات، وهي رحلة استمرت عدة أشهر، وشهدت تكرار تلك الأماكن والأجهزة الإجابات ذاتها التي تنفي وجوده.

قصة الشافعي تعتبر نموذجاً معبراً عن مئات القصص المشابهة لمأساة الإخفاء القسري في مصر، فمع استمرار إخفائه، وعدم وجود أي معلومة يمكن اعتبارها سبيلاً لمواصلة البحث عنه؛ انشغل من كانوا يبحثون في دوامة الحياة، وإن ظل اسمه في بالهم، فلا يملك أي منهم سوى الدعاء أن يتم العثور عليه.

تعرّف الأمم المتحدة الإخفاء القسري بأنه “القبض على الأشخاص، واحتجازهم، أو اختطافهم رغما عنهم، أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو، على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها، أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة، أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها، أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص، أو عن أماكن وجودهم، أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون”.

وبالتزامن مع اليوم العالمي لضحايا الإخفاء القسري الذي يحل سنوياً في الثلاثين من أغسطس/ آب، يمكن الجزم بأن الإخفاء القسري أصبح شائعاً في مصر، ويلازم ذلك إنكار السلطات المختلفة وجود المختفين قسرياً في الحجز، أو إخفاقها في الرد على الاستفسارات المتعلقة بمكان وجودهم، ويؤكد محامون وتقارير حقوقية توغل السلطات المصرية في استخدام الإخفاء القسري.

ورصدت منظمات حقوقية، محلية ودولية، أعداداً مروعة للمختفين قسرياً في مصر خلال السنوات الماضية.

إذ وثقت حملة “أوقفوا الاختفاء القسري”، منذ 30 أغسطس/ آب 2015 حتى أغسطس 2020، ما مجموعه 2723 حالة إخفاء قسري، وأضيف إليهم 306 حالات جديدة في عام 2021، أي ما مجموعه 3029 حالة خلال ست سنوات.

ورصد تقرير صدر عن “مركز الشهاب لحقوق الإنسان”، في نهاية عام 2020، أن عدد المختفين قسریاً في مصر خلال سبع سنوات، من وصول النظام الحالي إلى سدة الحكم في 2013، بلغ 11.224 حالة من الأعمار كافة، من بينهم 3045 حالة إخفاء قسري في عام 2020 وحده، فضلاً عن مقتل 59 من المختفين قسرياً خارج نطاق القانون من قبل أجهزة أمنية بعد ادعاء تبادل إطلاق النار، رغم توثیق اختفائهم السابق على إعلان قتلهم.

ووثق “مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب” خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، 168 حالة إخفاء قسري، و829 حالة ظهور لمختفين قسرياً منذ فترات متفاوتة.

وتقول منظمة العفو الدولية إن “لدى السلطات المصرية سجلاً طويلاً قاتماً من الإخفاء القسري والتعذيب لأشخاص تعتبرهم معارضين أو منتقدين، وهذه الأعمال الوحشية غير الأخلاقية تنتهك التزامات مصر في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك الحظر المطلق للتعذيب، وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والإخفاء القسري، وتشكل جرائم بموجب القانون الدولي”.

وفي أغسطس 2021، قالت منظمة “كوميتي فور جستس” الحقوقية إن “ظاهرة الاختفاء القسري في مصر لم تعد مجرد حالات يتم رصدها أو توثيقها؛ ولكنها أضحت سياسة ممنهجة لدى السلطات لقمع الأطياف السياسية المختلفة المعارضة لها، ويدلل على ذلك بشكل واضح؛ عدم انضمام مصر للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والصادرة في ديسمبر/كانون الأول 2006”.

وجريمة الإخفاء القسري هي انتهاك صريح لنصوص الدستور المصري، والذي تنص المادة 54 منه على أن “الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق”.

ولطالما أنكرت السلطات المصرية وجود ظاهرة الإخفاء القسري من الأساس، وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي، حول الإخفاء القسري، رداً على سؤال لصحافي أجنبي خلال فعاليات منتدى شباب العالم في يناير/ كانون الثاني الماضي:

“أحضروا البيانات والأعداد الكبيرة وقوائم الإخفاء القسري التي تتحدثون عنها، وسيتم عمل لجنة للوقوف عليها، ومستعد لتشكيل لجنة من شباب المنتدى، وتأخذ جميع البيانات التي يجري تداولها عن أعداد السياسيين المعتقلين، والإخفاء القسري، للوقوف على حقيقة ذلك، وعند الانتهاء تقوم اللجنة بإعلان نتائجها لتكشف هل ما يجري تداوله حقيقي أم لا. أحيانا تكون البيانات غير دقيقة”.

لكن إعراب السيسي عن استعداده لتشكيل لجنة لبحث حقيقة حالات الإخفاء القسري لم يحدث على أرض الواقع بعد تصريحه؛ ليبقى الاعتراف الوحيد الصادر عن جهة رسمية مصرية بشأن وجود مختفين قسرياً، هو التصريح الصادر عن المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) عقب سنوات طويلة من إنكار جريمة الإخفاء القسري، والذي صدر على خلفية قضية الباحث الاقتصادي البارز أيمن هدهود، والذي قتل عقب إخفاء قسري دام عدة أشهر.

وأصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان، بياناً قالت فيه رئيسته السفيرة مشيرة خطاب، إن “المجلس يقوم بالتنسيق والتواصل مع كل من النيابة العامة ووزارة الداخلية بشأن جميع دعاوى الإخفاء القسري التي تلقتها منظومة الشكاوى لديه منذ تشكيل المجلس الجديد، والبالغ عددها 19 شكوى، فضلاً عن جميع الشكاوى المتعلقة بادعاءات تجاوز مدد الحبس الاحتياطي، أو إساءة المعاملة، سواء في فترات الحبس الاحتياطي أو قضاء العقوبة”.

كانت تلك هي المرة الأولى التي يشتبك فيها المجلس الحقوقي الحكومي في مصر، بشكل مباشر مع قضايا التعذيب في مقار الاحتجاز، وملفات الإخفاء القسري، والحبس الاحتياطي المطول، وإساءة المعاملة، وأول مرة يعترف فيها بوجود ضحايا الإخفاء القسري، على الرغم من محدودية العدد الوارد في البيان مقارنة بالأرقام المتداولة حقوقياً.

العربي الجديد

المصدر : قناة العالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى