عربي

المحكمة الخاصة.. ملح على جرح لبنان النازف

ساعات بقيت على اعلان المحكمة الدولية المختصة بلبنان قرارها النهائي في القضية العربية الأولى التي وصلت إليها، وهي قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في انفجار كبير استهدف موكبه الشخصي في شباط /فبراير عام 2005.

العالم – يقال أن

في الرابع عشر من فبراير/ شباط عام 2005، استهدفت الانفجار موكب الحريري الأب على الكورنيش أمام فندق سان جورج في بيروت، من خلال شاحنة ملغومة مرّت بجانب سيارته، وخلفت حفرة هائلة ودمرت واجهات المباني المحيطة بالمنطقة. نتج عن الانفجار مقتل 21 شخصا إلى جانب الحريري، من بينهم وزير الاقتصاد السابق باسل فليحان، وعدد من الحراس الشخصيين للحريري.

سرعان ما اشعلت حادثة اغتيال الحريري الشارع اللبناني، واطلقت شرارة ما سميت حينها بـ”انتفاضة الاستقلال”، أو ما باتت تعرف حاليا بـ”ثورة الأرز”، ونظمت احتجاجات شعبية، طالبت بخروج القوات السورية التي دخلت لبنان تحت غطاء الجامعة العربية، لوضع حد للحرب الأهلية والنزاع العسكري القائم واعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب.

بناء على تطورات الشارع اللبناني، وتسارع الاحداث الامنية والسياسية في البلاد، قامت سوريا بسحب قواتها من لبنان في أبريل/ نيسان عام 2005، ليتغير وجه لبنان وشكله إلى اليوم.

اغتيال شخصية بثقل رفيق الحريري ومستواه على الساحة السياسية اللبنانية وعلاقاته الخارجية الجيدة مع كل الاطراف العربية و الغربية، كانت ضربة غير مؤلمة للبنان، حيث عُرف عن الحريري صلاته الوثيقة بالغرب، وخصوصا فرنسا، كما أن علاقاته العربية كانت جيدة جدا وخصوصا مع السعودية وسوريا، خلافا لما أراد البعض من المستفيدين من اغتياله تصويره على ان علاقات الحريري مع دمشق لم تكن على ما يرام قبل اغتياله، وهذا ما وضع سوريا في دائرة الاتهام، وفق معلومات مغلوطة وملغومة في آن، إلا أن الاغتيال شكل الممر الوحيد وورقة الخلاص لاعداء لبنان، لاخراجه من حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تمتع به في السنوات الاخير قبل الاغتيال الجريمة.

سرعان ما بدأت الحياة السياسية في البلاد تأخذ منحا مختلفا عمّا عاشه لبنان خلال 12 عاما من رئاسة الحريري لحكومات لبنان، وشكّل نجله سعد الدين الحريري ائتلافا من الأحزاب المناهضة للوجود السوري، عرف باسم “14 آذار”، ولاقى دعما غربيا إلى جانب السعودية، في مقابل ائتلاف “8 آذار” الذي ضمّ حلفاء دمشق من القوى السياسية في الداخل اللبناني، ليبدأ في لبنان صراع سياسي جديد استمر عدة سنوات بين الجانبين اللذين كانت المحكمة التي تشكلت للنظر في قضية اغتيال الحريري نقطة خلاف جوهري بينهما.

بدأ التحقيق الدولي في يونيو/ حزيران 2005، وخرج المدعي الألماني ديتليف ميليس بحلول أكتوبر بتقرير عرف آنذاك بـ “تقرير ميليس”، تبنى التقرير تورط مسؤولين سوريين ولبنانيين كبار. وفي أغسطس/ آب ألقي القبض على أربعة من كبار القيادات العسكرية في لبنان بناء على طلب ميليس، إلا أنه تم الإفراج عنهم بعد أربع سنوات دون توجيه اتهام لهم بعد أن قالت المحكمة إنه لا توجد أدلة كافية لتوجيه الاتهام إليهم، إلا أن سوريا والمسؤولين اللبنانيين نفوا أي دور لهم في الاغتيال، ليتم تغيير ميليس في 2006 وسار التحقيق ببطء، ويعلن سعد الحريري سحب اتهامه لسوريا في الوقوف خلف اغتيال والده في 2010.

2011 مل معه اتهاما جديدا لاربعة شخصيات في حزب الله، وفقا لمعطيات وأدلة ظرفية إلى حد كبير مستقاة من سجلات هاتفية. ليضاف إلى القائمة شخص خامس من الحزب في 2012. فيما رفض الحزب بشكل قاطع الاتهامات الملفقة الموجهة الى اعضائه مؤكدا أنها لا تتضمن أي دليل، وضمت القائمة كلا من القيادة الشهيد مصطفى بدر الدين، الذي قضى في سوريا عام 2016، اضافة إلى سليم جميل عياش وحسن حبيب مرعي وأسد حسن صبرا وحسين حسن عنيسي. إلا ان الافت في الموضوع هو التهم التي وُجهت إليهم، فقد اتهم الجميع تقريبا بتهمة التآمر لارتكاب عمل إرهابي، ولم توجه لهم بالتحديد تهمة إحداث التفجير شخصيا.

وبغض النظر عما نتج عن المحكمة من اتهام لشخصيات سياسية وحزبية لبنانية، فإن قانونية تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان للنظر في قضية اغتيال الحريري لا تزال موضع تشكيك من قبل كبار القانونيين في البلاد، ولا سيما بعد أن تحويل مسار القضية من قضية جنائية قانونية إلى معركة سياسية، بتحريض عربي وغربي واسرائيلي، وتشجيع و تأييد من قبل أميركا، كان الهدف الأساس منها تدويل القضية اللبنانية، وفتح المجال أمام التدخل الخارجي في القضايا اللبنانية الداخلية، خصوصا وأنها تعتبر المرة الأولى التي تشكل فيها محكمة دولية للكشف عن اغتيال شخصية عربية منذ خمسينيات القرن الماضي.

كما لا يمكن اخفاء الاهداف الخبيثة من الاغتيال التي اختبأت وراءه، والتي ربما ليست خافية على أي متابع للشأن اللبناني أو للقضية بشكل خاص، كما كان الجواب الأوفى عن هذه الاهداف، ما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في مقابلته الأخيرة مع اذاعة “النور”، حين اعتبر أن ” أحد أهداف اغتيال الحريري أو التوظيفات له كان صراع سني شيعي في البلد، ونحن كنا على حافة حرب مذهبية وبذلنا جهدا كبيرا وذهبنا إلى تحالفات سياسية من أجل العبور بالبلد من الانفجار الكبير الذي كان يتم الدفع به”.

بعد مرور 15 عاما على الاغتيال، ستصدر المحكمة في السابع من آب / أغسطس الجاري حكمها في القضية، يوم يُراد من خلاله اعادة اخراج السيناريو الذي وضع قبل 15 عاما، حيث كان 14 شباط/ فبراير للعام 2005 يوما حملت به المنطقة بمولود، تقرر اميركيا تسميته بعد عام وأشهر بـ”شرق أوسط جديد”. وتحمّل لبنان آلام مخاضه. لكن هذا السيناريو أُفشل من قبل القوى الوطنية والوعي الذي تمتع به بعض الاحزاب السياسية في البلد آنذاك، رغم أن ارهاصات تلك الحادثة لا تزال تؤثر على لبنان حتى اليوم.

قبيل السابع من اغسطس /آب، يقف المراقبون الدوليون للوضع اللبناني بانتظار السيناريو الذي ستخرجه المحكمة الدولية للبنان، والقرارات التي ستتبناها المحكمة، في ظل شبه اجماع على تقديمها حكما يُراد من خلاله تأزيم الوضع السياسي، لزيادة الضغوط على حكومة دياب الفتية، ولبنان المتعب والمنهك من تداعيات أزمة اقتصادية خانقة لم يشهدها البلد منذ الحرب الاهلية، اضافة إلى الكارثة التي خيّمت على البلاد بانفجار مرفأ بيروت وخروجه عن العمل بالكامل، ما يزيد من الحصار المُطًبّق على لبنان وحكومة دياب، ويزيد من معاناة الشعب اللبناني، ويمس رغيف خبزه بشكل مباشر.

المصدر : قناة العالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى