عربي

الفوضى اللبنانية… التوقيت والأهداف

بشکل مفاجئ وسريع، ولكنه متوقع، عادت المظاهر الاحتجاجية العنيفة إلى الشارع اللبناني، بعد الهدوء الذي فرضه بالقوة فيروس كورونا؛ فلماذا هذه العودة ولماذا في التوقيت؟

العالم – کشکول

ليس مستغربا كما ذكرنا عودة المظاهر التخريبية الى الشارع اللبناني وبهذا التوقيت بالذات، فمبراجعة سريعة للاحداث الاخيرة في البلاد، وفي ظل عودة سعد الحريري الى لبنان وطمعه برئاسة الحكومة من جديد، وتشكيل معارضة منسجمة من الاحزاب المسؤولة بالدرجة الاولى عن ايصال لبنان الى ما هو عليه اليوم، ضد حكومة حسان دياب، تتكشف نقطتان رئيستان ومؤثرتان بشكل كبير في عودة هذه الاحتجاجات الى الشارع من جديد.

النقطة الاولى… العمل الحكومي او الانجازات الحكومية، وان كانت قليلة من حيث العدد، ولكن مع الاخذ بعين الاعتبار المرحلة التي تمر بها البلاد وحجم الازمات التي تواجهها في آن، مع النظر إلى عمر الحكومة الفتي، يمكن احصاء عدد لا بأس به من الانجازات ترفع له القبعات.

أزمة بحجم وباء كوفيد-19 والذي أزعج وأربك كبرى دول العالم وأكثرها تبجحا بقوتها وقدرة انظمتها الصحية وتطورها. أزمة استطاعت الحكومة الفتية في لبنان الحد من انتشارها وتفاقمها، وابقائها تحت السيطرة، بفضل الاجراءات التي اتخذتها هذه الحكومة والسرعة التي ابدتها في التعامل مع الأزمة المستجدة.

من الانجازات التي تحسب لدياب وفريقه الحكومي هو مطالبته بمحاسبة الرؤساء والوزراء، المطلب الرئيس للشارع اللبناني منذ انطلاقة حراكه قبل نحو مئتي يوم. إلا أنها اصطدمت مرة اخرى بحائط التكتلات النيابية التي وقفت دون تمرير القرار في البرلمان اللبناني.

ومع اقتراب الحكومة من تسجيل كسبها لأولى جولاتها مع الأزمات المفتعلة في البلاد، ومع اتخاذها خطوة هي الأولى في تاريخ الحكومات اللبنانية المتعاقبة والتي تمثلت بتوزيع مبالغ مالية للأسر الأكثر فقرا لمساعدتها في التغلب على مفرزات انتشار ڨيروس كورونا واجراءات الحظر والتعبئة العامة، كان لا بد من تحريك المياه الراكدة، وزعزعة الأرضية التي تستند إليها الحكومة وهي الشعب اللبناني.

أما النقطة الثانية والتي ايضا لا يمكن اغفالها عند مقاربة الاحداث الاخيرة في لبنان، هي الهجوم الحاد الذي شنه رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب على حاكم مصرف لبنان النركزي رياض سلامة، واتهامه لسلامة بالوقوف خلف الأزمة المالية والنقدية في البلاد، وانتقاده للسياسة النقدية الضبابية للمصرف، وكذلك عدم ضخ النقد الاجنبي في السوق للحد من انهيار الليرة اللبنانية. خطوة دياب التي لم يسبقه أحد عليها من أسلافه على مدى نحو ثلاثين عاما من حاكمية سلامة للمصرف المركزي، فتحت على دياب وحكومته نيرانا، كانت توقد خلف أبواب السفارات المغلقة.

فرجل واشنطن المطيع في لبنان وفق تصريحات مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شنكر، الذي قال ان سلامة كان متعاونا “بشكل جيد” مع وزارة الخزانة الاميركية عبر العقود الثلاثة الماضية، وخصوصا على صعيد قضايا العقوبات على المصارف والمؤسسات المالية اللبنانية وإقفال حسابات تابعة “لحزب الله”. ما يشكف الاثار الخبيثة لسفارة عوكر في القضايا الاخيرة، خصوصا وان الحكومة اللبنانية بدأت تسلط نيرانها على الاحزاب الفاسدة والمرتبطة بشكل مباشر بالسفارة الاميركية وغيرها في لبنان.

ويبدو ان حركة دياب المكوكية بين المراكز الامنية ووزارة الدفاع تمخضت عن كمّ كبير من المعلومات عن الجهات التي تقف خلف التظاهرات والاحتجاجات الاخيرة. معلومات لوّح دياب بالكشف عنها بتهديده للذين يقفون خلف هذه الازمات بأنه سيتحدث عن الامور بمسمياتها في حال لم يتوقفوا عن التحريض وافتعال الأزمات.

ما نقل عن حاكم مصرف لبنان تهديده بأنه في حال تم المساس بمركزه كحاكم للمصرف فإنه سيُسقط معه عدد من “الرؤوس الكبيرة” في البلاد، في اشارة الى زعماء بعض الاحزاب السياسية المشاركة في الفساد المالي لرياض سلامة والمصارف. ما أثار مخاوف هذه “الرؤوس” الفاسدة، فدفعت برجالاتها الى الشارع لافتعال أزمة جديدة من شأنها إبعاد الحكومة عن موضوع المصارف وفسادها المالي والاقتصادي، من خلال اللعب بورقة الشارع.

بمتابعة دقيقة لحركة الاحتجاجات وأماكن تمركزها، يمكن استشعار الخطر الذي يقبع خلفها، فاستهداف المتظاهرين لأكثر الاماكن حساسية يضعهم بمواجهة مباشرة مع قوات الجيش اللبناني المخول الدفاع عن هذه الاماكن، ما يزيد من نسبة المواجهات بين الطرفين وبالتالي اخذ الامور الى أبعد من مجرد ملاسنات واشتباكات فردية، ولعل الاخبار التي تتحدث عن توزيع شبه ممنهج للاسلحة الفردية الخفيفة بين المتظاهرين، دليل واضح على المسار المراد لهذه الاحتجاجات والتظاهرات سلوكه والغاية التي يراد الوصول اليها عبره.

أما عن النهاية، فيكتبها الشعب اللبناني، إما ان يوصلوا البلاد الى حالة الاستقرار التي من شأنها فتح المجال امام التنمية والتطور، أو الى حالة الفوضى والتي من شأنها أخذ البلاد إلى ما لا يحمد عقباه.

ابراهيم شربو

المصدر : قناة العالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى