مقالات

إنهيار الليرة اللبنانية.. من السبب ومن المستفيد؟

تفلت سعر الصرف بالعملات الاجنبية في لبنان بين المفتعل وواقع الخزينة في لبنان.

العالم – لبنان

تسارعت وتيرة إرتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في مُقابل الليرة اللبنانية، وتسارع معها الغلاء الفاحش، بشكل يُنذر بإنهيار مَنظومة الأمان الإجتماعي، بسبب تبخّر قيمة العُملة الوطنيّة ومعها القُدرة الشرائيّة للمُواطنين، من دون أن ننسى أنّ الأزمة العالميّة بسبب تفشّي وباء كورونا وإنخفاض أسعار المُشتقّات النفطيّة، مُضافًا إليها أزمة لبنان الإقتصاديّة والمالية، أفقد شرائح واسعة من الناس وظائفهم.

فمن هي الجهة المسؤولية عن إنهيار الليرة، ومن سيدفع الثمن تبعًا لذلك؟

وترى الاوساط الاقتصادية ان الإنهيار السريع لقيمة الليرة ينطلق من خلفيّة سياسيّة لما يحصل، فهي تعتبر أنّ ما حصل ويحصل على مُستوى إنهيار قيمة الليرة، يعود إلى تراكم سنوات وعُقود من سياسة تثبيت وهميّة لسعر الصرف، في الوقت الذي كانت فيه أسس النظامين الإقتصادي والمالي تنهار تدريجًا، بفعل الفساد المُستشري وهدر المال العام من دون الإهتمام بتراكم الديون الهائلة ولا بحجم فوائدها، وكذلك بفعل صرف أموال المُودعين من قبل السُلطات السياسيّة المُتعاقبة، بغطاء من مصرف لبنان والمصارف الذين أمّنوا مُجتمعين التمويل للدولة من أموال الناس، بهدف تحقيق الربح السريع والكبير، غير آبهين بالأخطار على “جنى عُمر” الناس الذين إئتمنوهم على أموالهم!

وبحسب أصحاب هذه النظريّة، فإنّ الفوائد الخياليّة التي منحتها المصارف خلال السنتين الماضيتين، كانت بمثابة الخرطوشة الأخيرة لتأجيل الإنهيار الكبير الذي أطلّ بفعل تفاقم شحّ السيولة النقديّة، والذي كان قد بدأ عمليًا خلال ربيع وصيف العام 2019، ثم تظهّر علنيًا مع إندلاع إحتجاجات 17 تشرين الأوّل الماضي، قبل أن تتسارع وتيرته مع تفشّي وباء كورونا وتوقّف كلّ من الدورة الإقتصاديّة والسياحيّة والتحويلات، إلخ، تُوجد نظريّتان تعزوان الإنهيار المالي الحالي، إلى مُؤامرات سياسيّة، جاءت لتُكمّل الوضع الإقتصادي والمالي غير المُستقرّ.
يترافق ذلك مع سياسة مُحاسبة شاملة وغير إستنسابيّة لكلّ الفاسدين من دون أيّ إستثناء، سيُعيد إحياء إنقسامات سياسيّة كانت تراجعت بفعل تقدّم الأزمة الحياتيّة والمعيشيّة، وسيعيد تحريك غرائز طائفيّة ومذهبيّة كانت إنحسرت لصالح هُموم لقمة العيش.

والأخطر أنّ تطبيق أيّ مُحاسبة بخلفيّة سياسيّة، بدلاً من خلفيّة الفساد، سيُضاعف شُعور الغُبن والإستهداف هنا أو هناك، من دون أن يؤدّي إلى مُحاربة الفساد والفاسدين بشكل فعلي وشامل.

ومن المُتوقّع أن تتكثّف خلال الساعات والأيّام القليلة المُقبلة، المواقف التصعيديّة والمؤتمرات الإعلاميّة التي سيتمّ خلالها التهرّب من المسؤوليات وتقاذف الإتهامات، بالتزامن مع تحضير الحُكومة لتحريك ملفّ الفساد.

في الخُلاصة، الناس مُتعطّشة بالتأكيد للبدء بمُحاسبة الفاسدين-بغضّ النظر عن هويّتهم السياسيّة وإنتماءاتهم الطائفيّة والمذهبيّة. لكن أيّ تطبيق لسياسة إنتقائيّة بخلفيّة سياسيّة لهذا الملف، سيعود بنتائج عكسيّة. والناس لا تريد مُجرّد إتهامات إعلاميّة، من دون مُحاسبة فعليّة تُعيد الأموال المَنهوبة، خاصة أن لا خيمة فوق رأس أحد في هذا المجال، وسمعة الجميع مُشكّك بها، حتى إثبات العكس.

والناس لا تريد مُجرّد تصفية حسابات سياسيّة بناء على مُتغيّرات داخليّة وإقليميّة، بل تريد أن تأكل وتشرب، وتنتظر إجراءات تُعيد خفض سعر صرف الدولار، وبالتالي إعادة القُدرة الشرائيّة لأموالها، وتوفير فرص العمل وخفض مُعدلات البطالة التي بلغت أرقامًا مخيفة، وإلا الأمور ذاهبة حتمًا إلى إنفجار إجتماعي مُدمّر في مُستقبل غير بعيد.
* حسين عزالدين/ العالم

المصدر : قناة العالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى