عالمي

“قفزة كبيرة” لانقرة في “تتريك” جمهورية أذربيجان !!

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفي اطار تطلعاته البانطورانية قام في 12 نوفمبر 2021 ، بالتزامن مع عقد القمة الدورية لـ”مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية” واعادة تسميته إلى “منظمة الدول التركية” .. وافتتاح المبنى الجديدة لأمانة المنظمة في اسطنبول، قام بتقليد الرئيس الاذربيجاني الهام علييف وساما  بعنوان “الوسام السامي التركي” . واعتبر علييف منح أردوغان هذا الوسام له بانه بالغ الاهمية واصفا تركيا وأردوغان بانهما انموذج يحتذى به لـ “العالم التركي” مضيفا القول “نعرف بأن تركيا هي قلب العالم التركي!” .

العالم – مقالات

رغم الإطراءات التي تبادلها الرئيسان مع بعضهما البعض في هذا الاجتماع مثل “أصبحت تركيا قوة عالمية!” و “القيادة الحاسمة والقيادة المنتصرة لعلييف في حرب قرة باغ الثانية” هي مجرد اطراءات خاوية يمكن تجاهلها، الا ان هناك مؤشرات أخرى صدرت عن رئيسي تركيا وجمهورية أذربيجان ، والتي لها طابع الهوية ، بحاجة إلى التحليل والنظر، منها ان أردوغان قال في الحفل: “ان وردة الاوفريس ، التي باتت رمز حرية كاراباخ ، تبشر بانتصار “العالم التركي”! .

على الرغم من أن النزعة البانطورانية للاتراك في جمهورية اذربيجان يعود تاريخها إلى أكثر من مائة عام ، إلا أن فترة الثلاثين عامًا التي تلت انهيار الاتحاد السوفيتي وإعلان استقلال جمهورية أذربيجان كانت بمثابة فرصة ذهبية لتركيا لمتابعة مُثلها القومية التركية . خاصة خلال العام الاخير حيث شدد الرئيس والمسؤولون الأتراك الآخرون مرارا وتكرارا على سياسة تتريك جمهورية أذربيجان واعتبروا حرب قرة باغ الثانية فرصة لتحقيق هذه السياسة. أردوغان ولتحقيق هذه الغاية وضع على جدول أعماله خططا تنفيذية وتحركات رمزية لتتريك جمهورية أذربيجان ، منها إلقاء الشعر في مراسم استعراض في باكو وتوقيع إعلان شوشا. في غضون ذلك ، تعتبر خطة “الممر التركي” أو “ممر زنغزور” خطة تنفيذية رمزية على جدول أعمال أردوغان وعلييف ، كان من المفترض أن تتحقق إما عسكريا أو بغزو جنوب أرمينيا. وإذا لم ينجح هذا الخيار ، سيتم تنفيذ هذه الخطة من خلال التسييس والجدل والابتزاز ورد الفعل العنيف ، إلخ ، وعلى حد قول إلهام علييف ورجب طيب أردوغان ، مع تنفيذ هذه الخطة “العالم التركي” سيحقق الارتباط العرقي والجغرافي!.

المحللون ووسائل الإعلام في تركيا وجمهورية أذربيجان يرددون باستمرار أنه يجب إزالة حاجز “أرمينيا” الذي يعيق الارتباط العرقي والجغرافي لـ “العالم التركي”! لكن وسائل الإعلام والمحللين و “المفكرين” في تركيا وباكو لا يستطيعون الإجابة عن سؤال ما إذا كان حاجز “جمهورية أذربيجان” أمام الارتباط العرقي الجغرافي لـ “العالم التركي” قد أزيل بالكامل؟ وما هي نسبة شعب جمهورية أذربيجان ، الذين يواجهون منذ سنوات عدة قصفا فكريا “بانهم أتراك” ، قبلوا بأنهم “أتراك” حقا من الناحية القومية والعرقية والجذور الشعبية ؟! على مدى السنوات الثلاثين الماضية ، بذلت جهود مكثفة لزيادة أوجه التشابه اللغوي بين جمهورية أذربيجان وتركيا ، والتلفزيون ووسائل الإعلام المطبوعة ، وكذلك الوزارات الحكومية وغير الحكومية والمنظمات المسؤولة عن شؤون الهوية في جمهورية اذربيجان تم تكليفها بتنفيذ سياسة الاستيعاب أو تم إجراء المحاكاة الثقافية واللغوية والهوية لهذه الجمهورية مع تركيا من أجل تمهيد الطريق لـ “تتريك” جمهورية أذربيجان. ومع ذلك ، وعلى الرغم من كل هذه الجهود ، فإن الغالبية العظمى من شعب جمهورية أذربيجان ، حتى أولئك الذين يقعون تحت تأثير الاختلاط والغزو الثقافي وقصف التتريك ، يعتبرون أنفسهم جزءا من “العالم التركي المصطنع” ، ولا يرون أي تشابه دموي ومدني وفكري وعقلي بينهم وبين الأتراك! . على سبيل المثال ، عندما يتم بلورة أعمال رائعة وموضوعية من العروض المشتركة للموسيقيين الإيرانيين والأذربيجانيين ، يتساءل جميع الأتراك والأتراكوفوبيا ويعضون على اناملهم سبب كون هذه الأعمال الرائعة هي مزيج من فن الموسيقيين والمغنين الإيرانيينولاذربيجانيين في حين ان مثل هذه الاعمال المشتركة بين الاتراك والاذربيجانيين هي شبه منعدمة على الرغم من كل الدعوم الحكومية والسياسية والمالية والتنظيمية التي تقدم في هذا المجال ، وان ما يتم صنعه في مجال الفن والموسيقى والأدب بينهما لا يعدو كونه عمل مصطنع يفتقر إلى السحر الطبيعي بل وفي كثير من الأحيان ما هي الا اعمال مبتذلة ومنحرفة تدعو الى الانحطاط الفكري ! .

لقد أصبحت مسألة التتريك في جمهورية أذربيجان مزعجة وتخطت حدودها لدرجة أن بعض كبار المفكرين في جمهورية أذربيجان ، بما فيهم ضياء بونيادوف واقرار عليوف وحتى حيدر علييف نفسه، قدموا مقترحا لاتخاذ تدابير لمواجهة مخطط التتريك، لا سيما في مجال الحفاظ على اللغة الأذرية والحيلولة دون هضمها في اللغة التركية الاسطنبولية. ومع ذلك ، خلال العام الماضي ، بعد ان رسخت حكومة باكو ، وخاصة الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف سيادتها بعد حرب قرة باغ الثانية وباتت مدينة لتركيا في هذا الخصوص ، فان الغزو الماهوي والثقافي التركي لجمهورية أذربيجان اخذ منحى اخر غير مسبوق ، الى درجة ان الاتراك باتوا يفكون بتغييرات مذهبية في جمهورية أذربيجان، مثل تغيير علماء الدين الشيعة في بعض مساجد جمهورية أذربيجان واستبدالهم باهل السنة. على مستوى الدولة ، قام إلهام علييف ، بتغيير لهجته جزئيا لصالح اللغة التركية الاسطنبولية ، في الخطابات والمقابلات مع وسائل الإعلام التركية . وما تقليد اردوغان “الوسام السامي التركي” لعلييف سوى مكافأة لما يقوم به من خطوات محسوبة لصالح الجانب التركي .

ومع ذلك ، من الواضح بالفعل ما إذا كان هذا الشعار سيعتبر علامة خدمة أو خيانة في السنوات والعقود القادمة ، بالنظر إلى تاريخ الشيعة في جمهورية أذربيجان. لأن هؤلاء الناس هم الذين قاوموا كل الخطط والمؤامرات لنزع هويتهم لأكثر من قرنين. ولاشك سوف ينهض شعب جمهورية أذربيجان مرة أخرى في العقود القادمة ليعود إلى أصالته وهويته ، مثل الانتفاضة التي اندلعت في نوفمبر وديسمبر 1989 ويناير 1990 ضد الهوية الزائفة لـ “الروسية” و “الشيوعية” – سينتفض الشعب مرة اخرى ويكون مصير مخطط الـ”تتريك” كمصير مخططات فرض الهوية “الروسية” و “الشيوعية”.

*برهان حشمتي

المصدر : قناة العالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى