مقالات

“ليبيا” مفتاح لغز أردني كبير..ما سر الرغبة في استحواذ الإمارات على أكبر شركات الأغذية في عمّان؟

ليس من المستغرب ان تستقبل العاصمة الأردنية عمان الجنرال الليبي خليفة حفتر، والذي تربطه علاقات جيدة بها وبمسؤوليها وحتى بعاهلها الملك عبد الله الثاني والذي استقبله سابقا عدة مرات قبل ان تتحول زيارات حفتر لسرية ولا يتم الإعلان عنها منذ نحو ثلاثة أعوام.

العالم -مقالات وتحليلات

مراقبة حركة الطيران كشفت أصلا عن رحلتين على الأقل قبل 4 أيام بين مطار الملكة علياء في الأردن الى مطار بنينة الدولي في بنغازي، وكانت ضمن شركة “أجنحة الشام” للطيران، التي اتهمها تقرير لخبراء الأمم المتحدة قبل نحو خمسة أيام بكونها تنقل مقاتلين سوريين من الموالين للنظام السوري لمساندة حفتر. ليصبح السوريون على جبهتي القتال في ليبيا، إذ تجنّد انقرة أيضا مقاتلين من المعارضة السورية ضمن جنودها في طرابلس.

“مَن كان على متن الرحلتين”، يبدو صعب التكهن، ولكن الأكيد ان عمان ليس لديها ما يمنع استقبال حفتر ومنذ سنوات، فالعاصمة الأردنية موجودة في الملف الليبي وتؤشر عليها بوضوح التقارير الدولية باعتبارها صدّرت معدات عسكرية ومقاتلين، كما ان انباء تشير الى اضطلاعها في جانب مهم من الجهد الاستخباري الداعم للجنرال الليبي في بلاده. وتقوم عمان بذلك منذ سنوات ضمن جهد منسق مع الامارات العربية المتحدة وفي اطار العلاقات معها.

هنا ومنذ أيام تراقب “رأي اليوم” المخاوف المتصاعدة في الأردن حول ضغوطات إماراتية تستهدف عمان، تارة عبر الأردنيين العاملين في الامارات واعادتهم، وتارة أخرى عبر الانباء بعضها غير مؤكد على سعي اماراتي دؤوب لشراء بعض المصانع والمعامل في الأردن وبالتالي تطويق الاقتصاد.

الحديث في التفاصيل يفترض رغبة إماراتية بالسيطرة على مصانع المواد الغذائية والتي خسرت فعلا في مرحلة الاغلاق وبسبب وقف التصدير، هنا طبعا يمكن الاستماع لسلسلة من “نظريات التورط” لمسؤولي البلاد في أزمة هذه المصانع والمؤسسات، ولكن ذلك بلا دليل حتى اللحظة غير خسائر فادحة لحقت بمصانع كبيرة ومفاوضات يتحدث عنها الصناعيون وهم يشيرون لكواليس محادثات بين هذه المصانع وشركة أبو ظبي التنموية القابضة التي يرأسها طحنون بن زايد.

هنا يمكن الاستناد لخبر نشره الموقع الالكتروني لقناة العربية قبل اقل من أسبوع (5 أيار/مايو) أعلن فيه اقتراب “شركة أبوظبي التنموية القابضة المعروفة حاليا باسم “القابضة” (ADQ) الإماراتية من الاستحواذ على شركة أغذية أردنية لإنتاج الطعام المجمد، من قبل مالكها ومجموعة كارلايل الأميركية، وفقا لمصادر مطلعة.”

وأضاف الخبر “والشركة التي كانت تعرف من قبل بمجموعة أبوظبي التنموية القابضة، تعتزم الاستحواذ على حصة أغلبية في شركة النبيل للصناعات الغذائية الأردنية، والمملوكة لعائلة النبيل، وشركة كارلايل التي بدأت استثماراتها في شركة النبيل عام 2003. ويصل تقييم شركة النبيل، التي تصنع المنتجات المجمدة، مثل الدجاج والمعجنات، إلى 300 مليون دولار وفقا لحسابات بلومبيرغ.”

الانباء من عمان تؤكد ان أبو ظبي لا تريد الوقوف عند شركة منتجات نبيل، وان تصنيع المواد الغذائية الأردنية كقطاع يخضع بمجمله لمفاوضات من ذات النوع، مع مستشار الامن القومي الاماراتي ومسؤول الاستخبارات الخارجية طحنون بن زايد، والذي يهتم بصورة شخصية بملفي حرب ليبيا واليمن.

التساؤلات كبيرة في الاثناء، عن ماذا ولماذا يهتم الشيخ طحنون بشركات اردنية غذائية تعتبر من اهم الشركات والمصانع في اقتصاد البلاد وفي هذه المرحلة تحديدا، الامر الذي يجعل الربط بين هذا الاهتمام والضغوط لصالح المزيد من النشاط الأردني في ليبيا منطقيا جدا، خصوصا وان التواريخ تتقاطع بين انطلاق الطائرات من عمان وبين اعلان الاستحواذ المحتمل على الشركة الأردنية العريقة، وبدء الحديث عن مفاوضات للاستحواذ على شركات أخرى.

بمعنى اخر، المؤشرات اليوم لا تنفي المخاوف التي يتناقلها بوضوح السياسيون في الأردن عن ضغوطات إماراتية على عمان لصالح حفتر، لا بل وتدخل الضغوطات مرحلة متقدمة بهذا المعنى. ولكن السؤال الأكثر منطقية يمكنه ان يكون كيف يتم التنسيق بين الأردن وسوريا في السياق وكيف تنطلق طائرات أجنحة الشام من عمان، وهل تستأنف الأخيرة الاتصالات السياسية مع دمشق من بوابة ليبيا الإماراتية.

المشهد يبدو معقدا جدا للوهلة الأولى، ولكن متابعة التطورات الدولية يمكنها ان تحلحله قليلا، حيث شركة فاغنر الروسية تتكفل بدعم حفتر بالتعاون مع الامارات التي تصالحت مع دمشق من بوابة العداء مع تركيا، وهذا ما يجعل الحرب في ليبيا تستعر اكثر بين حكومة الوفاق التي يقودها السراج وتؤازره تركيا وبين الجنرال حفتر الذي تحميه الامارات.

حلفاء الامارات معروفون في المشهد: الأردن ومصر، وغطاؤهم الدولي جميعا في الولايات المتحدة التي لم تطلب حتى اللحظة تدخل الناتو (حلف شمال الأطلسي) لوقف القتال في البلد الافريقي الاغنى بالنفط.

حفتر أيضا يحظى بالغطاء الفرنسي بينما كان خصمه فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطنية يحظى بالدعم الإيطالي في الاتحاد الأوروبي، الامر الذي لا يبدو انه مستمر اليوم مع مساعدات كبيرة لإيطاليا من حلفاء حفتر في أزمة روما الأخيرة بعد اجتياح فايروس كورونا لكل المدن الإيطالية والمساعدات الروسية والصينية، وهو ما يفسر التواصل الكبير مؤخرا مع حفتر وبرلمان طبرق ورئيسه عقيلة صالح (وهنا يمكن تمرير ملف الخلاف بين حفتر وصالح اما باعتباره خلاف ظاهري او ليشكل صالح مخرجا امنا للدول الداعمة لحفتر اذا ما تقرر التخلص من الرجل).

كل ذلك معناه ان المأزق في ليبيا ومع تسيير عملية ايريني الأوروبية التي تراقب حظر توريد الأسلحة لليبيا بات حصرا “مأزقا تركياً” وهنا حلفاء حفتر قد يكونون اجتمعوا فعلا على “خصومة مع انقرة”.

السؤال الأردني بكل ما ورد، هو ماذا ستجني عمان من كل ذلك، وهذا سؤال قد تحتاج اجابته الدقيقة وقتا رغم انها تبدو واضحة من تاريخ التورط الأردني، ووفقا لما قاله دبلوماسي أوروبي لـ “رأي اليوم” في اجتماعات برلين حول ليبيا “الأردن متعاقد فقط ويرسل جنوده وعتاده (…) لا يجلس على الطاولة المتعاقدون”، وجمع الدبلوماسي بين الأردن والسودان في السياق (بالمناسبة الانباء تشير الى ان الشيخ طحنون بن زايد كان في جولة للسودان خلال ذات الفترة).

الأهم اليوم وللجميع، هل سينتصر حفتر ام السراج في ليبيا؟ أو بمعنى اصح انقرة او أبو ظبي، أردوغان أو بن زايد؟: الإجابة قد تكون على الأرجح أن المعادلة الليبية ستستمر عند خسارة الجميع.

رأي اليوم ـ فرح مرقه

المصدر : قناة العالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى