عالمي

الجرب الأمريكي وقطران المقاومة

ماذا يعني أن تفشل الولايات المتحدة الأمريكية في تمرير مشروع قرار قدمته إلى مجلس الأمن لتمديد حظر السلاح على إيران؟ وهل تتعظ الإدارة الأمريكية الحالية أو القادمة من الصفعة الأقوى في تاريخها الدبلوماسي وتسارع للاستشفاء بقطران المقاومة رغم ما يخلفه استخدام القطران للجربى من ألم آني يجنبهم استمرار العزلة وإفراد البعير الأجرب الذي يهدد كل من يحتك به؟

العالم – مقالات وتحليلات

وسواء أرغمت واشنطن على التداوي بقطران المقاومة للشفاء من الجرب، أم استمرت بالمكابرة والرفض، فمعطيات الواقع تؤكد أنه ليس أمامها إلا الاعتراف بأنها مصابة فعلاً بالجرب السياسي والدبلوماسي، وأن صمود محور المقاومة بمثابة القطران الذي يمكن أن يساعدها على الشفاء من الجرب والبرص والجزام والأيدز، وبقية الأوبئة والأمراض التي تصبغ الأداء السياسي والدبلوماسي الأمريكي بالعجرفة وركوب الرأس الحامية والضرب عرض الحائط بكل الأعراف والمواثيق الدولية، والتنكر للقانون الدولي.

لعل ما شهدته أروقة مجلس الأمن ليل الجمعة الواقع في 14/8/2020يلزم صناع القرار الأمريكي على إعادة النظر بدورة صنع القرار وآليات اتخاذه للحفاظ على ما تبقى من ماء وجه، وتجريب الحظ في مناطق أخرى غير هذه المنطقة، وهذا يعني استغلال الوقت القصير المتبقي في زمن اللعب ـ الوقت بدل الضائع ـ وإعادة ترتيب الأوراق لضمان الانسحاب بشكل آمن من المنطقة يضمن سلامة قواتها المنتشرة بشكل غير قانوني وغير شرعي ـ إن أمكن ـ بعد الصفعة المؤلمة في مجلس الأمن، والعجز عن ضمان تأييد تسعة أصوات بغض النظر عن مواقف الأعضاء الدائمين، وإمكانية استخدام حق النقض الفيتو، وكل ما استطاعت إدارة ترامب إنجازه يتلخص في كسب صوت جمهورية” الدومينيكان” فقط في حين امتنعت/11/ دولة عن التصويت من بينها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، إضافة إلى رفض روسيا والصين لمشروع القرار، ولعلها المرة الأولى في تاريخ مجلس الأمن التي يعرض فيها مشروع قرار على التصويت ويفشل بمثل هذه الصورة المذلة والمتداخلة بشكل يصعب فيه الفصل بين المكونات والمدخلات، وبالتالي المخرجات والتداعيات، فمشروع القرار الأمريكي أسقط بثلاث ضربات قاضية:/ امتناع 11 دولة عن التصويت ـ فيتو روسي ـ فيتو صيني/ وهذا يتضمن العديد من الرسائل والنقاط المهمة التي يمكن تلخيصها بعجالة كما يلي:

ـ الرسالة الأبلغ التي وصلت بوضوح للجميع أن إدارة ترامب منفصلة عن الواقع بشكل كلي، وإلا لما غامرت وقدمت مشروع القرار للتصويت، ومن المفترض أن تكون تعلم النتيجة مسبقا.

ـ إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على عزل إيران وبقية أقطاب محور المقاومة ومحاصرتها لإرغامها على الإذعان للإرادة الأمريكية قد أدى إلى نتيجة عكسية تماماً، فالقرار أثبت أن واشنطن هي التي تعيش العزلة التي أرادت فرضها بالقوة والعربدة على الآخرين.

ـ خروج الدول الأوربية الرئيسة عن القرار الأمريكي وشق عصا الطاعة المفروضة أمريكياً منذ مشروع مارشال بعيد الحرب العالمية الثانية يؤكد إمكانية استقلال القرار الأوروبي عن دفة القيادة الأمريكية، وهذا يبشر بإمكانية تمخض التفاعلات القائمة عن معالم نظام عالمي جديد لا وجود فيه للأحادية القطبية.

ـ مجلس الأمن الذي لطالما استخدمته واشنطن منصة متقدمة لها للتدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة لم يعد صالحاً لتحقيق ذاك الهدف الأمريكي، بل غدا بيئة مناسبة لفضح العدوانية الأمريكية التي تهدد الجميع دونما استثناء.

ـ أول مرة استخدم فيها الفيتو المزدوج الروسي ـ الصيني كانت في 4/10/2011 ضد مشروع قرار أمريكي يستهدف الاستفراد بسورية وتكرار النموذج الليبي، وقد كان ذلك مقدمة لإعادة استخدامه مزدوجاً عدة مرات لمنع الاستفراد بالدولة السورية، وهذا يؤكد مدى أهمية الحفاظ على سورية ووحدتها السياسية والجغرافية لدى موسكو وبكين، وعندما استخدم الفيتو المزدوج نفسه لمنع واشنطن من الاستفراد بإيران، فهذا يعني أن الدور الذي يؤديه محور المقاومة متكامل وأكثر من مهم للأقطاب الكونية الصاعدة بثقة إلى منصة القطبية العالمية.

ـ من المسلم به في العلاقات الدولية أن الدول تسعى لتمتين العلاقة مع الأقوياء، والضعيف لا أحد يهتم به، وهذا يعني أن محور المقاومة قوي، وقوي جداً، وأكثر مما يخطر على أذهان الزواحف والمنبطحين تحت الحذاء الصهيو ـ أمريكي، وعلى اللاهثين والمتسابقين لركوب قطار التبعية لترامب و نتنياهو ألا يسقطوا من حساباتهم إمكانية خروج ذاك القطار عن السكة، وإمكانية تحطمه في أية لحظة، وفي مثل هذه الحالة سيعمد المسؤول عن القطار إلى إلقاء الحمولة الزائدة وفصل المقطورات الملحقة أملا بنجاة لن تكون إلا بتبديل السكة، واعتماد مسار آخر عبر تفريعة مصممة لتفادي التحطم الحتمي بمغادرة كلية للمنطقة، وقد أعلنها ترامب مراراً مؤكداً أن الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة خطأ يجب تصحيحه.

الحرب لعبة الكبار:

بعيداً عن التهويل، والسعي لتعميم نظرة متفائلة في هذا الكم الهائل من الكوارث التي تعصف في المنطقة، وتأثيراتها الجوهرية على الجميع دونما استثناء، وبعيداً في الوقت نفسه عن “التابو” المفروض منذ عقود والمتضمن أن الولايات المتحدة الأمريكية جبروت عسكري واقتصادي لا يمكن مواجهته، ولا البقاء على سكة قطارات ما يخطط ويقرر من مشروعات تستهدف السيطرة وفرض الإرادة، ومن منطلق علمي واقعي يمكن القول: ما تعيشه المنطقة هو الحرب بكل معانيها ودلالاتها، ويشترط في كل حرب وجود عدوين متحاربين، أي وجود طرفين منخرطين في الحرب، فمن هما هذا الطرفان؟

روسيا والصين غير مصنفتين رسمياً على اللوائح الأمريكية ضمن قائمة الأعداء، بل ضمن قائمة المنافسين، وفي أسوأ الأحوال الخصوم، وشتان بين الخصومة والعداوة التي قد توصل إلى حرب أو استسلام، والولايات المتحدة الأمريكية ضمن الشركاء وفق التصنيف الروسي، وما يشابه ذلك في القاموس الصيني، وجغرافية المنطقة مسرح عمليات لحرب عسكرية ـ اقتصادية ـ سياسية ـ إعلامية ـ دبلوماسية ـ سايبرانية… الخ، ومحور المقاومة أحد طرفي هذه الحرب، وقد أثبت على امتداد عشر سنوات أنه قادر على الصمود والمواجهة وتحقيق إنجازات نوعية بغض النظر عن الكم الكبير والخسائر الفادحة التي يتكبدها في خوض هذه الحرب المفروضة عليه، والولايات المتحدة الأمريكية ومن يدور في فلكها طرف آخر في الحرب، وهذا لا يعني قط التقليل من أهمية الدعم الروسي والصيني وغيره المقدم لمحور المقاومة بهدف محاربة الإرهاب، لكن العنوان الأبرز الذي يجب أن يبقى حاضراً على الشاشة هو : محور المقاومة طرف في حرب فوق إقليمية ضد الولايات المتحدة الأمريكية ومن معها، والنتائج المترتبة حتى الآن تؤكد أنه يمكن أن يقال: “لا” للإرادة الأمريكية، ويمكن إرغامها على لململة أوراقها قبل فوات الأوان، وعندها قد لا يحتاج محور المقاومة إلى خوض حرب أخرى ضد الكيان الصهيوني، لأن انسحاب واشنطن من المنطقة يعني التآكل الذاتي لبقية الملحقات والأدوار الوظيفية التي تنتهي صلاحيتها، وتنتفي الغاية من وجودها.

خلاصة:

الحرب لعبة الكبار، ومحور الكبار أثبت أنه أحد الكبار، وليس أمام الزواحف إلا التحسر ومراكمة الإخفاقات، أو المسارعة لركوب قطار بدأ من يمسك بدفته بإلقاء الحمولات الزائدة منه والتخلي عن العربات الملحقة واحدة تلو الأخرى.

* حسن أحمد حسن – متخصص بالجيوبولتيك والدراسات الاستراتيجية

المصدر : قناة العالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى