عربي

العلاقات المصرية الكويتية تسير من السيء إلى الأسوأ..

العلاقات بين مصر والكويت تسير من السيء إلى الأسوأ هذه الأيام، حيث تلعب وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض مستخدميها “الانفعاليين” في الجانبين دورا كبيرا في تأجيجها، وصب الزيت على نارها، والتأثير على حكومتي البلدين ودفعهما إلى اتخاذ خطوات انتقامية متبادلة، انعكست سلبيا على الشعبين الشقيقين في هذا الظرف الحَرج، أبرزها وقف متبادل لخطوط الطيران.

العالم- مصر

القصة بدأت برغبة كويتية بتخفيف أعداد “العمالة السائبة”، أي التي ليس لها عمل في ظل توقف معظم الأعمال والوظائف بسبب انتشار فيروس كورونا وتراجع الاقتصاد، وتظاهر عمال مصريين، وإقدام بعضهم على أعمال شغب أثناء المطالبة بعودتهم إلى بلادهم نظرا للظروف المعيشية الصعبة في ظل انتشار البطالة، وانعدام الدخل، والوصول إلى حافة الجوع والمرض.

الشعرة التي قصمت ظهر البعير فيما يبدو جاءت عندما أقدم مواطن كويتي “جاهل” على ضرب عامل مصري بسيط وصَفعه في جمعية صباح الأحمد حيث يعمل الأخير، وبطريقة مهينة قام أحدهم بتصويرها بهاتفه النقال، ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي في مصر، ومختلف أنحاء العالم، الأمر الذي أحدث ردود فعل غاضبة في أوساط المصريين، ودفع بعضهم إلى التحريض على إحراق العلم الكويتي ثأرا وانتقاما.

الشاب المصري الذي تعرض للصفع عدة مرات دون أن يقاوم، عاضا على النواجز، تعرض بدوره إلى هجمات وشتائم من مختلف الجهات لأنه لم يدافع عن نفسه، ولم يرد على الكويتي “العنصري” بالطريقة نفسها انتصارا لكرامته، مضافا إلى ذلك أن رجل الشرطة الذي كان قريبا من الواقعة لم يقدم على التدخل لوقف الاعتداء، واعتقال المجرم متلبسا بالجرم، وحماية العامل الضعيف المهان.

من يقرأ الرسالة التي كتبها الشاب المصري المضروب ويشرح أسباب ذلك على حسابه على أحد مواقع التواصل الاجتماعي يشعر بالتعاطف معه أولا، وبالغضب تجاه من “شتموه” واتهموه بالجبن، وتجاه الحكومة المصرية التي أوصلت شعبها، أو قطاع منه، إلى هذه الأوضاع المعيشية الصعبة بسبب الفساد والمحسوبية وعدم الكفاءة، وتجاه الشرطة الكويتية التي لم تمارس واجباتها القانونية في الانتصار للضعفاء وحفظ القانون وتطبيقه.

في رسالته المعبرة قال الشاب “كلكم بتلوموني وتشتموني علشان قبلت على كرامتي أن يضربني الكويتي وأنا واقف ساكت، إيدي في جيبي، بعد كل صفعة منتظرا اللي بعدها، أما مقبلتش أنه يضربني، بل لم أشعر بالضرب أساسا، أنا كنت بافكر بالسجن الذي ينتظرني في حال ترحيلي، وفي الحلم اللي ضاع، وحسرة أمي، وصدمة أبويا، وانكسار إخوتي وأخواتي في مصر”.

ويشرح الشاب المصري أكثر ويقول “أني خلصت تعليم ولم أجد عملا إلا بشق الأنفس، وبالكاد يكفي مصروفي، وبسبب الكورونا طردني صاحب العمل، أنا واحد فقير والفقر ينهش الكلاب، أحدهم عرض علي الذهاب للعمل في الكويت مقابل 50 ألف جنيه لم أملكها، وكتبت 10 إيصالات تعهد بتسديدها”، ويقول “كان العرض حلما كبيرا لإنقاذ أمي وأبي وأخوتي من الفقر، وأجهز إخواتي البنات لعرسهم”، ويؤكد “أنا لم أشعر بالضرب، أنا كنت متبنج ببنج الفقر، وخراب البيت، وضياع كل شيء، الكويتي الذي ضربني هو قوي وأنا أجير، هو قادر وأنا ضعيف، هو في بلده وأنا غريب، الي كان يضربني هو الظلم والقهر، هو الرجل الذي طردني من العمل، وإيصالات الأمانة، أنا محدش ضربني، أما جاي مضروب وجاهز، ومحدش يكلمني عن الكرامة”.

أكثر من 800 ألف عامل وموظف مصري في الكويت تقطعت بهم السبل، وباتوا يَهيمون على وجوههم في شوارعها، بدون مال أو طعام، ويعيشون على الصدقات، وسلات القمامة بعد أن تخلى عنهم “تجار الإقامات” الذين امتصوا عرقهم ودمائهم، وبعضهم بات يتسول لقمة العيش في ظل ظروف معيشية صعبة، ودرجة حرارة تصل إلى أكثر من 50 درجة مئوية، دون توفر أجهزة التكييف وفي غرف يتكدس في كل منها عشرة أشخاص على الأقل، وانتشر في أوساطهم فيروس الكورونا القاتل، وأمراض أخرى، وجاء إغلاق الرحلات الجوية بين الكويت ومصر بحجة مكافحة الكورونا والحد من انتشارها من قبل البلدين ليفاقم من معاناتهم.

إنها حالة مأساوية ليست محصورة في الكويت وإنما معظم الدول الخليجية، بطريقة أو بأخرى، حيث يوجد حوالي ثلاثة ملايين مصري، إن لم يكن أكثر، سلطت حادثة الاعتداء على هذا الشاب الأضواء على معاناتهم، وانعدام التعاطف، وغياب الحلول، سواء من قبل دولتهم أو الدول المضيفة، وتضاعف أعباء مواجهة الفيروس القاتل.

الكويتي الذي اعتدى على هذا الشاب المصري الفقير المعدم يظل حالة فردية لا يجب تعميمها على كل الشعب الكويتي، ولكن هذا لا يعني أن هذه الظاهرة غير موجودة في الكويت ودول خليجية أخرى، بل وفي مصر نفسها تجاه بعض الأجانب، وهناك نواب في البرلمان الكويتي وصلوا إلى عضويتهم عبر تبني سياسات عنصرية تطالب بطرد معظم العمال الأجانب، والمصريين بشَكل خاص.

هذه “العمالة السائبة” في الكويت، سواء كانت مصرية أو آسيوية، هي نتيجة جشع تجار الإقامات من أهل البلاد الذين “استوردوهم” في مرحلة ما قبل الكورونا وأطلقوهم في الشوارع، وفرضوا عليهم تسديد ثمن إقاماتهم بمبالغ عالية شهريا، وإلا الترحيل، مستغلين ظروفهم المعيشية السيئة وحاجتهم إلى العمل، وأحسنت السلطات الكويتية عندما اعتقلت هؤلاء وحاكمتهم بتهمة إساءة استخدام قوانين العمالة، والجشع، وتهديد أمن البلاد واستقرارها.

الحكومة الكويتية راعت ظروف مصر الاقتصادية، عرفانا بجميل وقوفها معها أثناء احتلال الجيش العراقي للكويت من خلال تقديم عشرات مليارات الدولارات كمساعدات وقروض واستثمارات، وإعطاء الأولوية في العمل لمئات الآلاف من المصريين، الأمر الذي قوبل بالشكر والتقدير من قبل الحكومة المصرية، مما أدى إلى تعميق العلاقات بين البلدين طوال السنوات الثلاثين الماضية، ولكن التوتر الحالي ربما ينسف كل شيء إذا لم يتم تطويقه بسرعة.

لا نجادل مطلقا بأن بعض العمالة العربية والأجنبية في بعض الدول الخليجية يواجه حالة من الاستغلال، والغطرسة، والتعالي من بعض أصحاب الأعمال الجهلة، بل وبعض المواطنين ولأسباب عنصرية وفوقية، ولكن هؤلاء قلة، وتنقصهم التربية السياسية والإنسانية، ويظل لزاما علينا في هذه الصحيفة عدم نسيان الدور الكبير الذي لعبته الدول الخليجية في توظيف الملايين من مواطني الدول العربية الأخرى الفقيرة التي حرمها الله من نعمة النفط، وبلاها بأنظمة فاسدة عاجزة لم تطور فرص العمل من خلال مشاريع تنمية مستدامة.

الدعوة لحرق العلم الكويتي من قبل بعض المندفعين، وربما المندسين، كرد انتقامي على ضرب الشاب المصري بطريقة مهينة، أمر يسيء إلى مصر، وإلى علاقاتها الجيدة مع دولة الكويت التي وقفت دائما إلى جانبها، بالدرجة نفسها، إن لم يكن أكثر، بحجم الإساءة التي ألحقها المواطن الكويتي بضربه الشاب المصري بعنجهية وغطرسة، وهي الحادثة التي فجرت الأزمة الحالية، وعلينا أن لا ننسى في هذه العجالة القول بأن حكومة الكويت ساهمت في ترتيب عودة الكثير من العمال المصريين إلى بلادهم على نفقتها الخاصة، وأسقطت عنهم جميع رسوم مخالفة قوانين الإقامة، وقد أحسنت الحكومة المصرية صنعا عندما تحركت بسرعة واعتقلت المحرضين على تخريب العلاقات مع الكويت.

نتمنى أن لا تطول الازمة بين الكويت ومصر، وأن تتم معالجتها بطريقة حضارية فليس عيبا أن تتنازل حكومتا البلدين لبعضهما البعض من أجل الوصول إلى هذا الهدف، وعلى المسؤولين فيهما تفهم الظروف الصعبة الراهنة بسبب فيروس الكورونا وانعكاساته الصحية والاقتصادية، ونتمنى من معظم الدول الخليجية وإعلامها بالتقريب من الشعوب ونشر ثقافة التسامح، والترفع بين مواطنيها، والشيء نفسه يقال للسلطات المصرية أيضا، وكبح كل العناصر التي تَلجأ إلى بذر بذور الفتنة والتحريض العنصري المقيت، ولا شك أن هناك حكومات خليجية تقدم نموذجا مشرفا في هذا المضمار، ويجب أن تكون قدوة حسنة للآخرين.

ختاما نقول إن الكويت التي باتت حمامة سلام بين أشقائها الخليجيين وتسعى قيادتها لتسوية المشاكل بينهم، وترفض كل أشكال التطبيع مع دولة الاحتلال، وما زالت تقبض على جمر العروبة، وتساعد المحتاجين بقدر الإمكان، وتتخذ موقفا حياديا، وتبتعد عن المحاور تستحق التقدير.

نقول هذا ونحن نتطلع إلى المستقبل، مستقبل الأمة العربية واضعين في اعتبارنا ما يواجهها من أخطار ومؤامرات خارجية، فمصر تقف على حافة حربين، واحدة في الغرب ليبيا، وثانية في الجنوب (سد النهضة)، وباتت في حاجة ماسة إلى تحشيد جميع أو معظم الدول العربية خلفها، أما الكويت فتواجه أزمة اقتصادية، وتراجع العوائد بسبب تراجع عوائد النفط، وتصاعد التوتر في المنطقة الخليجية، وتزايد احتمالات الحرب.. والله أعلم.

رأي اليوم

المصدر : قناة العالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى