مقالات

‘فينا خير’ .. وجه آخر للجشع والإستبداد في البحرين

لا شك بأن التسابق في المشاريع الخيرية وتقديم يد العون للمحتاجين، والتعاون في التصدي للمخاطر الصحية أو الأمنية هو من الأمور النبيلة، وهو مفتاح للنجاح وللبناء السليم. كما أن مساهمة المواطنين في تحمل جانب من الأعباء التي من شأنها أن تعود بالمنفعة العامة عليهم هو أمر محمود، طالما لم يمس بحياتهم المعيشية ويبخس حقوقهم في العيش الكريم.

العالم- البحرين

وبالنظر إلى الحملة التي أطلقها ناصر حمد الخليفة تحت شعار “فينا خير” طالبا مساهمة الجميع بما يجودون للعمل على احتواء وباء كورونا في البحرين، فإنها تبدو للوهلة الأولى من المبادرات الحميدة والخلاقة، لكن النظرة الفاحصة لبعض الحيثيات قد تعطي انطباعا معاكسا تماما، وتصل إلى استنتاج يميل إلى أن ظاهر الحملة خير، أما حقيقتها فهي شي غير ذلك.

وبعيدا عن الأسئلة المشروعة التي يثيرها البعض حول مصدر المال الذي تبرع به ناصر نفسه، وكيف تمكن من جمعه، وكم يملك في رصيده البنكي، والأسئلة الأخرى ذات الإرتباط حول رواتبه التي يتقاضاها والخدمات التي يقدمها بالمقابل، فإن أسئلة أخرى قد تكون أكثر إلحاحا من المهم طرحها، لنصل إلى نتيجة واعية لمن يطلبها.

بمرور سريع على اسماء الجهات المتبرعة بالملايين والتي أعلن عنها رسميا، نلحظ أن الحصة الأكبر كانت من الدوائر والشركات التابعة للدولة، من هذه الأسماء على سبيل المثال شركة ألمنيوم البحرين (ألبا)، وبابكو، وبتلكو، وبنك البحرين الوطني، وشركة تطوير للبترول وغيرها. ويصل مجموع التبرعات من هذه الجهات الحكومية ما لا يقل عن 30 مليون دينار من أصل 37 مليون أعلن عنها في حملة ” فينا خير”. وهنا تبرز أسئلة عن المعايير التي على أساسها تتخذ قرارات بصرف الملايين من هذه الدوائر التي تُعنى باقتصاد البلد، وتعتبر من المال العام الذي لا يجوز استخدامه في غير أغراضه إلا لاستثناءات موضوعية، ووفق رؤية واضحة. إلا أن الواضح في صرف هذه الأموال أنه تم بقرار فوقي وأوامر يمليها نجل الحاكم الخليفي بمزاجه وحسب أهوائه. كما يتبين بأن حملة “فينا خير” أطلقها ناصر الخليفة، واستخدم فيها شركات ودوائر حكومية بغير وجه حق، وبالتالي خرجت عن فكرتها الرئيسية التي قامت على أساس أنها تجمع التبرعات من مستثمرين وعامة الناس، وليس من الدولة، فالدولة هي تحت سيطرة وتسلط مطلق من آل خليفة ولا تحتاج لتشجيع أو إعلان لاستخدام ميزانيتها فيما يرغب فيه الحاكم وأبنائه.

من زاوية أخرى لا يعني ما ذُكر في الأعلى أن المواطنين لم يساهموا في التبرعات، أو أن أصحاب المشاريع التجارية بمختلف أحجامهم لم يكن لهم دور في التفاعل مع الحملة، لكن الحقيقة بأن مساهماتهم تعتبر هامشية أمام المساهمات الحكومية التي تمت بتصرف من ناصر الخليفة.

علاوة على ما ذُكر، فإن من أوضح الأمور التي كشفتها الحملة، هو احجام أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة من المساهمة في هذه الحملة، وخصوصا التجار من العائلة الخليفية، على سبيل المثال الحاكم الخليفي نفسه والذي يملك مجموعة “بريمير” التي تستثمر بالمليارات في العقار ولها أملاك في البحرين وعموم أوربا، أو ولي العهد الذي لديه نهم استثمارات في بناء المدن ويملك رصيدا بنكيا فاحشا، أو رئيس الوزراء الذي يعتبر قارون البحرين لكثرة ما جمعه من مال في مشاريع تجارية أكلت الأخضر واليابس، وغيرهم من أفراد العائلة الخليفية الذين يملكون رؤوس أموال تكفي لتغطية الدين العام وجعل المواطنين يعيشون في بحبوحة من العيش في رفاهية ليس لها مثيل في العالم. غير أن حملة ” فينا خير” تسولت من التجار الصغار، وعموم المواطنين، ولم يساهم فيها افراد العائلة الحاكمة الذين يعيشون في ثراء فاحش.

في المقابل يتبرع الحاكم الخليفي بالملايين لمشاريع “شو” حول العالم، ليس لها أي مردود إلا على شخصه إما من ناحية تجارية أو وجاهة خاصة، أو مآرب أخرى. قبل أيام كشفت صحيفة اسبانية عن هدية قدمها حمد الخليفة إلى الملك الإسباني السابق بقيمة 1,7 مليون يورو، وتبرع حمد أيضا قبل بضع سنوات ب3 مليون جنيه استرليني لجامعة سانت هيرست العسكرية في بريطانيا مقابل تسمية احدى صالات الجامعة باسمه، ويصرف هو وأنجاله سنويا الملايين للمشاركة في مهرجان عرض الخيول الذي يقام على شرف ملكة بريطانيا، وينظم في قلعة ويندسور، ويعتبر حمد مساهم رئيس في هذه العروض، كما تقدم جائزة باسمه في ختام المنافسات الفروسية على حسابه “الخاص”. وليس بعيدا عن موضوع إهدار المال العام واستخدامه وفق أمزجة الحاكم الخليفي فقبل بضع سنوات دعا القاعدة البحرية البريطانية لاتخاذ البحرين مقرا عسكريا لها على نفقة الدولة.

الحديث في عرض الشواهد التي تظهر لعب العائلة الخليفية في المال العام واستخدام أموال الدولة كثيرة، وكلٌ له نصيب من هذه الكعكة، حتى أن الأموال التي جمعت في حملة “فينا خير” باستخدام دوائر الدولة في غالبية المبلغ، لا تكفي وحدها لتغطية ما يدفعه ولي العهد سلمان الخليفة لإقامة سباق الفورملا1 سنويا للاستمتاع بهواية سباق السيارات.

ويبدو من عدة شواهد أن التجار من غير أفراد عائلة الخليفة ساهموا في الحملة المشار إليها بدوافع مختلفة، بعضهم بدافع الخير، وآخرون تملقا للعائلة ونيل رضاها، ومنهم خشية من غضب السلطان، كما ساهم المواطنون لحرصهم الشديد على مصلحة الوطن والمواطنين، ولنيل الأجر والثواب، فيما أحجم الخليفيون عن المشاركة في التبرعات رغم ما يملكونه من أموال لا حصر لها ولا عد.

التأكيد بأن الحديث هنا ليس عن أصل فكرة المساهمات الخيرية وإيجابيتها، لكن الحديث يتركز حول الإستبداد المالي والإداري، وجشع الخليفيين المستحوذين على كل المقدرات المالية، والذين يحاولون في بعض مبادراتهم إعطاء صورة توحي بأنهم مثال للكرم وملهمين في عمل الخير.

والبحرانيون (سنة وشيعة) يعلمون أن أبناء البلد الأصلاء فزعوا بما يجودون من اللحظات الأولى التي دخل فيها وباء كورونا البحرين، وتسابق المواطنون في العمل التطوعي للوقوف إلى جانب الكادر الطبي، وشُكلت لجان أهلية في مختلف المناطق تقوم بمساهمات الأهالي لتعقيم الأحياء، وتقديم المساعدات العينية والمعنوية إلى المحتاجين، كما تميز بعضهم بابتكار أجهزة تنفس صناعي رغم إمكانياتهم المتواضعة، ثم جاء الخليفيون ليستثمروا هذه الصورة الجميلة لشعب البحرين، ويمصوا من مالهم المزيد ثم يروجون لأنفسهم ل” يحمدوا بما لم يفعلوا”.

وكم من فاعل للخير ألقي به في غياهب السجون، وصار فريسة للجلادين والمعذبين بسبب تقديمه العون للمحتاجين، فهناك الكثير من المعتقلين الذين صدرت ضدهم أحكام لعشرات السنوات بسبب كفالتهم لعوائل معتقلين فقدوا معيلهم، وهناك نساء تم تعذيبهن وإصدار الأحكام الجائرة عليهن لإيوائهن مطاردين طاقت عليهم الأرض بما رحبت حتى أصبحت المقابر سكنا لهم. وطارد النظام الخليفي المساهمين في عمل الخير، حتى طال جوره الفرائض الدينية مثل الخمس، واستحوذ على أموال المحتاجين والفقراء. وسبق للنظام الخليفي أن اعتقل الكوادر الطبية وأودى بها في السجون لأنها احترمت شرف المهنة وقامت بعلاج الجرحى والمصابين برصاص الجيش.

ولماذا لا يستطيع الناس والجميعات الخيرية في البحرين إعلان حملات للتبرعات من أجل إعانة عوائل السجناء الذين يعيش بعضهم في فقر مدقع، ولماذا نسمع بين الفينة والأخرى عن حالات من ضنك العيش للمواطنين طالما يوجد “خير” يقدمه الحاكم وأنجاله؟! ولماذا تعاقب بعض العوائل ويحرمون من وحدات سكنية بسبب وجود أب الأسرة في السجن على خلفية سياسية؟ ولماذا ولماذا.

ثم كيف يكون النظام حريص على منع انتشار الوباء الفتاك، ويريد الحفاظ على حياة المواطنين، وهو يحاصر آلاف المواطنين ويكدسهم في سجون سيئة، ويعرض حياتهم للخطر، ويصم آذانه عن كل النداءات الدولية التي تنادي بإطلاق سراحهم لمنع وقوع الكارثة.

وبما أن الحاكم الخليفي وأنجاله، هم المتصرفون و”الأمناء” على توزيع المال، وليس من حق أحد مسائلتهم، وهم ينفقون الملايين سنويا لممارسة هواياتهم من الأموال العامة، فمن يستطيع الجزم والإطمئنان عن الكيفية التي ستصرف فيها الأموال بإشراف نظام متورط في النهب والسرقات، والإستيلاء على الأراضي، ودفن السواحل، وهدر المال العام، وصرف المليارات في عقود التسليح، حتى أصبح اقتصاد البحرين بسبب سياستهم في الهاوية.

*المصدر: البحرين اليوم

المصدر : قناة العالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى