عالمي

فيروس كورونا يذل أمريكا

في ظل الأزمة الحالية المنتشرة والمستمرة بالصعود جراء وباء فيروس كورونا، فإن شعوب العالم ودوله كانت تتوقع ممن يدعون قيادة النظام العالمي أن يمارسوا أسلوبهم القيادي في إدارة الأزمة فيبادروا الى تنفيذ خطط الوقاية منها ويضعوا خطط المواجهة وينفذوها ويتجهزوا قبل ذلك لتلك المواجهة وذلك بتأمين مواردها المعنوية والبشرية والمادية والمالية لكي يتفرغوا لاحقاً لإدارة مرحلة الترميم وإعادة البناء.

العالم – مقالات

ما شهده الناس على امتداد العالم هو فشل وتخبط وانفعال بدا واضحاً على استجابة تلك الدول وقادتها للأزمة وتداعياتها وهي لم تزل في بداياتها ولم تصل الى ذروتها، لا سيما أمريكا ودول الغرب التي تدور في فلكها، وهذا أيضاً ما عانت منه الصين، إلا أنها تمكنت لاحقاً من استعادة زمام المبادرة وأدارت الأزمة بشكل جيد.

لقد رأى العالم بأسره مواطن الفشل الأمريكي والغربي الذريع في إدارة الأزمة والذي تمحور حول الأمور التالية:

١- عدم الاستعداد المعنوي والمادي للأزمة ونشر سبل الوقاية منها وبث الوعي المجتمعي حولها وتأمين الموارد المادية للوقاية منها لا بل حاولت إدارة ترامب التقليل من شأن هذه الأزمة والتبجح أن الفايروس الصيني لن يصيبها مما أفقد الأمريكيين فرصة تنفيذ أهم مرحلة في إدارة الأزمة وهي مرحلة الوقاية وكذلك فعلت بريطانيا التي مارست التعمية على شعبها.

٢- التأخر في التخطيط للمواجهة وعدم الجهوزية اللوجستية لها والتي تدل عليها اليوم صرخات حكام كل من نيويورك وتكساس و… الذين يطالبون بمعدات طبية وأجهزة تنفس وكمامات ويحثون المصانع الأمريكية على زيادة الإنتاج، قائلين من يزودنا بذلك نصرف له شيكاً ليقبضه فوراً، كما نقلت وكالة رويترز اليوم على لسان كيومو حاكم نيويورك الذي يدعو الى سد النقص في المعدات الطبية، وعلى لسان أبوت حاكم تكساس الذي يناشد تأمين الثياب الواقية للعاملين في القطاع الصحي، فالعلو والتكبر على الدول الأخرى يمنع من الاعتراف بنقاط الضعف وحتماً سيكون لذلك آثار سلبية أكيدة على فعالية وكفاءة المواجهة الأمريكية للأزمة.

٣- التلاوم وسرعة الغضب الذي يبدو على سلوك الرئيس الأمريكي في تصريحاته أمام الصحفيين، حيث نعت بالأمس أحدهم بالصحفي السيء عندما سأله ماذا تقول للأمريكيين لكي تطمئنهم.

٤- عدم الاهتمام بما تعاني الدول الحليفة لأمريكا من أزمات صحية جراء الوباء والتصرف معها بحماقة وصلف وتمييز وتعصب عنصري، إذ منع سفر مواطني دول أوروبا الى أمريكا مستثنياً بريطانيا التي كانت أزمتها أشد خطورة من مثيلاتها من الدول الأوروبية، مع أنه كان الأجدر بأمريكا التي تقود الناتو أن تشكل لجنة لإدارة الأزمة منها ومن حلفائها في أوروبا والعالم، لكنها فقدت تلك المبادرة التي تلقفتها الصين فبادرت الى مساعدة إيطاليا وصربيا.

٥- منع المساعدات الصحية عن إيران مما سيؤثر على قدرة الإيرانيين على إدارة الأزمة وستزهق بذلك أرواح كثيرة كان من الممكن تفادي موتها بينما منطق الحكمة يقول إن عالمية وشمولية الأزمة تستلزم عالمية وشمولية إدارتها، لكن منطق التعالي والتجبر يجعل غشاوة على بصر الطاغية ويختم على قلبه نازعاً منه البصيرة والحكمة في التصرف ويملؤه حماقة وفظاظة وغلظة فأمريكا لم ترفع عقوباتها الاقتصادية عن دول تطلب تخفيفها لا إلغاءها لتلقّي المدد اللوجستي الطبي.

٦- بدت أمريكا والدول الغربية تستجيب للأزمة بشكل إفرادي غير تعاوني وظهرت الى السطح هشاشة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وبدأت الاتهامات تظهر في الاعلام، وتجلى كذبهم على بعضهم بعدم قدرتهم على تأمين المساعدات الطبية، لمن يحتاجها منهم، بعدما عجزوا عن توفيرها لأنفسهم.

٧- لقد أسفرت الأزمة عن تيقّن الشعوب بوجود فجوة عميقة في النظام العالمي الحالي لناحية قيمه الحاكمة وسلوكه القيادي، حيث انتشر فيه سباق التسلح لتدمير الناس وليس سباق العلم والمعرفة لمواجهة الأزمات التي قد تهلكهم، وبات النهج الامريكي المتبع هو إدارته بالأزمات أي اختلاق الأزمات والعداوات لتثبيت الهيمنة ونهب الموارد، ولربما تتأكد الظنون القوية في المستقبل القريب التي اتهمت الصين على أساسها أمريكا بتوليد أزمة الكورونا.

بناء على ما تقدم وبما أن إحدى أهم تجليات القيادة في وعي الشعوب هو رشد إدارتها وسلوكها القيادي في الأزمات فإن التعثر المذكور في إدارة الأزمة الحالية والنهج المتبع في قيادته سيرخي بأثقاله الكبيرة على أمريكا وحلفائها ويسوّد صورهم في وجدان شعوب العالم طاعناً بعمق في قوتهم الناعمة التي تشكل عماداً أساسياً لمكانتهم القيادية وسيسرع هذا الأمر من عملية إعادة تموضع القوى الكبرى على رأس النظام العالمي ومؤسساته فاتحاً الباب على تغيرات جيوسياسية كبرى سنشهدها تباعاً لتغيير وجه العالم إلى ما هو أفضل.

علي حكمت شعيب – أستاذ جامعي في جامعة بيروت

المصدر : قناة العالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى