اقتصاد

لبنان وصل ‘اقتصاديا’ الى عنق الزجاجة

مع الانهيارات الاقتصادية في العالم لبنان ليس بأمن عن ذلك لاسباب الخارجية و الداخلية و وصل اقتصاد هذ اللبلد الذي كان معروفا ب “سويسرا الشرق” سياحيا الى عنق الزجاجة.

العالم_لبنان

صحيح أن هناك مسؤولية داخلية لبنانية سياسية ومالية حول دخول لبنان في نفق طويل ومظلم، بفعل طبيعة النظام الطائفي الذي منع المحاسبة وشرّع الفساد ووضع الفيتوات ورفع البطاقات الحمراء بإسم حقوق الطوائف. وصحيح ايضاً أن الحكومات المتعاقبة منذ ثلاثين عاماً تتحمل مسؤولية الإستدانات ورمي لبنان في المديونية، وغض النظر عن الفساد والصفقات والسمسرات، وتسيّد النظام الريعي في كل مساحات الدولة.

وصحيح أن جميع المكونات اللبنانية مسؤولة، لأن كل القوى التي تمثلها شاركت بالسلطة، على الأقل منذ ١٥ سنة حتى الآن. لم يبق فريق واحد خارج السلطة التي كانت تشاركية معظم الأحيان، أو يتقلّب فيها المعارضون والموالون بين إستلام الحُكم او الإنتظار جانباً للدخول إلى جنّات السلطة. مما يعني أن المسؤولية مشتركة، ليس بمقدور أحد التنصل منها، سواء أكان مشاركاً في صنع الحكومة الحالية أو يدّعي وجوده في المعارضة الآنية. رمي كرة المسؤولية في الوضع الحالي لا يخدم ولا يفيد البلد.

و برأي الخبراْ الاقتصاديون فإن لبنان تدهور نحو عمق الأزمة لأسباب إضافية لم يعد سويسرا الشرق سياحياً منذ اعوام طويلة. صار العرب مثلاً يفضّلون تركيا وقبرص و​اليونان وكل دول أوروبا. مما ساهم في ضرب أهم قطاع لبناني الذي كانت تعتمد عليه الدورة الإقتصادية لجذب الأموال والعملات الصعبة الى لبنان، في أيام السلم والاستقرار.

و نقل الموقع النشرة الاخبارية اليوم السبت عن الخبراء كان البلد ايضاً في زمن الحرب والسلم يعتمد على المال السياسي، منذ ما قبل مجيء منظمة “التحرير الفلسطينية” وصولا الى الأموال العربية والإقليمية التي تبنّت مشاريع سياسية في لبنان، فأوجدت دورة ناشطة ساهمت في رفد الإقتصاد. لكن المال السياسي غاب الآن.

لم يعد اللبنانيون يهتمون بزراعة الأرض منذ عقود، وانصرفوا نحو الوظائف، وحصل النزوح من الأرياف كما اظهرت ضواحي بيروت والمدن في كل الإتجاهات. ولم تكن الحكومات تهتم بالزراعة ولا بالصناعة من خلال وضع ميزانيات ضئيلة لا تكفي رواتب الموظفين وتأمين بعض الحاجات من دون القدرة على رسم سياسات زراعية وصناعية، فحلّ الإستيراد مكانهما. من يصدّق أن لبنان يستورد الألبان والأجبان والمعلبات مثلاً من السعودية ومصر وتركيا؟ بينما كانت مصانع ومزارع لبنان تصدّر منتوجاتها الى الخليج الفارسي و​اوروبا.

عاش اللبنانيون الترف والإنفلاش في يومياتهم، في وقت كانت حكوماتهم تستدين الأموال، وتعتمد على مؤتمرات المنح والإقراض بعنوان”مؤتمر باريس، ومؤخراً “مؤتمر سيدر“.

عندما كانت الحكومات نفسها تلوّح للمصرف المركزي بالفوائد المرتفعة لقاء سندات يوروبوندز، لتمويل مشاريعها والحاجيات والرواتب، كان المصرف يمارس نفس لعبة الفوائد المرتفعة مع المصارف الخاصة، والمصارف تقوم بذات الدور مع المودعين، وهكذا سقط البلد في دورة الفوائد والديون على مسافة ثلاثة عقود. وعندما توقفت المؤتمرات الخارجية الداعمة والمقرضة، وانتهى المال السياسي، وبقيت القطاعات الإنتاجية معطّلة، وطالب المقرضون بأموال خدمة الدين تظهّرت الأزمة في نقص السيولة وعدم توافر اموال الناس في المصارف. دفع المواطن الثمن واصبح ضحية تلك المنظومة.

جاءت الحكومة الحالية تحت عنوان الإنقاذ بعد حراك شعبي لم يحصد نتائج مباشرة. لكن ليس بيد حكومة التكنوقراط حيلة، فلم تستطع ان تنتج تعيينات مالية ومصرفية نتيجة الخشية من عواصم خارجية، وعجزت عن مجابهة تمنيات أو رفض طلبات أميركية. وعندما حصل الإحتدام المالي مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة​، عجزت الحكومة ايضا عن اتخاذ قرار بإقالته، رغم حديث رئيس الحكومة عن “غموض مريب في أداء حاكم مصرف لبنان، وان المصرف عاجز أو معطّل بقرار أو محرّض على هذا التدهور المريب”. فهل يعني ان حاكم المصرف أقوى وأشد من الحكومة؟ هذا ما زاد ضمنياً من ضعف الحكومة. رغم ان رئيسها حسان دياب يتمتع بجرأة وشجاعة شخصية في الطروحات، لكن لا تتوافر بين يديه لا العمولة ولا القدرة على ترجمة العمل في بلد متعدد المشارب، عدا عن تعدّد وتزايد الملاحظات بشأن اداء بعض وزراء الحكومة غير القادرين على مواكبة تحدّيات المرحلة.

الآن وصل لبنان الى عنق الزجاجة: من يُخرجه؟ لم تستطع الحكومة حتى الساعة إستيلاد الحلول، ولا يبدو انها تقدر على الإنقاذ، بمعزل عن نواياها الإنقاذية. بينما ظهر ان كل الافرقاء المتخاصمين وصلوا الى حائط مسدود: لا قدرة لفريق وحده على فرض خلاص البلد. كما كانت جميع القوى مسؤولة عن التدهور، فلا بدّ من مسؤولية مشتركة في فرض الخلاص. قد يكون لبنان إعتاد على مساعدة الإقليم في إنقاذه، كما كان يحصل منذ ما قبل إتفاق الطائف​، وصولا الى الدوحة.

لكن دول الإقليم مشغولة جداً بمآسيها الإقتصادية. مما يعني ان لبنان ذاهب الى مزيد من الإنهيارات التي يدفع ثمنها المواطنون ألماً يومياً بعد تعطّل سير الحياة الطبيعية، وتمدد البطالة، وتراكم العجز السياسي ثم المالي. هل بمقدور فريق لوحده إنقاذ لبنان؟

هل تستطيع الحكومة الحالية نقل البلد الى مساحة الأمان والإستقرار؟ طالما ان هناك افرقاء آخرين في مواقع معارضة للحكومة ويستندون الى حسابات طائفية ومذهبية وسياسية ومناطقية وشعبية، مهما كانت احجامها وتأثيراتها في بلد أعوج النظام، يعني الا قدرة لفريق الحكومة وحده على تحمل المسؤولية وفرض الاستقرار والآمان، لا سيما ان المواطنين توزّعوا كعادتهم على جبهات السياسة والطوائف. فلنفترض ان لبنان عاد الى التشاركية في الحكم، هل تستطيع الإنقاذ والتسليم بشروط صندوق النقد الدولي​؟ هنا مشكلة إضافية، خصوصا ان الشروط الدولية تمر بالحدود الجنوبية التي يريدون رسمها لمصلحة إسرائيل. فلننتظر كيف يمكن الخروج من القعر في بلد لم يتخلّص من أزماته الاّ من خلال التسويات؟ إلاّ اذا كانت متغيرات العالم تلفح لبنان، فتقوم الطبقات الفقيرة وهي باتت الآن اكثرية شعبية بطحن المنظومات السائدة، والنظام الطائفي وفرض الدولة المدنية.

المصدر : قناة العالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى