عربي

محمد بن زايد والدور الإماراتي في فضيحة بيغاسوس

لم تكن مشاركة الإمارات في التجسس على هواتف سياسيين وصحافيين وآخرين، في أنحاء العالم، باستخدام نظام «بيغاسوس» الإسرائيلي، سوى فصل صغير في سيرة نظام ديدنه التآمر. فقد أعاد فضح عملية التجسس تلك، تظهير طبيعة هذا النظام، والتي أحسن مسؤول سابق في إدارة دونالد ترامب توصيفها، حين قال: «إنك إذا قلبت حجراً في أي مكان من القرن الأفريقي، فستجد تحته الإمارات».

العالم – الإمارات

لكن تطورين شهدتهما الأسابيع الماضية، يهددان بتدفيع ابن زايد ثمنا باهظا لسياسته هذه، مع تغير اتجاهات الرياح: الأول هو «الزعل» بينه وبين ابن سلمان، بعد اختلافهما حول الكثير من الملفات، ومنها اليمن وقطر و”إسرائيل”.

والثاني هو اعتقال تاجر العقارات الأميركي، «الزحلاوي» الأصل، توم باراك، بتهمة العمل لمصلحة الإمارات كعميل غير مسجل، في الحلقة الضيقة حول ترامب، خاصة أن الإمارات عرضت عبر جورج نادر، اللبناني الأصل هو الآخر، المساعدة في تمويل حملة الرئيس السابق الانتخابية في عام 2016.

لربما كانت حياكة المؤامرات أقدم حرفة في قصور الحكم في الخليج الفارسي، إلا أنها مع ابن زايد تجاوزت كل الحدود، بحيث بات الخليج الفارسي والعالم العربي برمتهما يعيشان على إيقاع الأحداث المتسارعة التي لا يفتأ ولي عهد أبو ظبي يذكي نيرانها، وصولا إلى دخوله، بعد تطبيع العلاقات مع إسرائيل، تعاونا علنيا وثيقا مع «الموساد»، الذي أصبح رئيسه، يوسي كوهين، أكثر مسؤول في كيان العدو ترددا على أبو ظبي، بل إن هذا التعاون تمأسس سريعا، وصار علاقة مباشرة بين مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد، والجهاز الإسرائيلي، واتسعت ملفاته، ليتحول إلى صداقة نادرة بين أجهزة التجسس، التي لا تقيم عادة علاقات ودية في ما بينها، حتى لو كانت من أقرب الحلفاء.

حتى ابن سلمان يتضح أنه كان مجرد تلميذ عند حاكم الإمارات، الذي يقال إنه تآمر على أخيه الأكبر، رئيس الدولة، خليفة بن زايد، منذ أن أقعدت الأخير جلطة دماغية في كانون الثاني من عام 2014، ثم نشر له صورا في عام 2019، بعد غياب دام كل تلك السنوات، وهو في حال يرثى لها، في ما فسره مناوئون لولي العهد على أنه محاولة لإظهار أخيه بمظهر العاجز تماما، لإضفاء مزيد من الشرعية على حكمه.

بدأ ابن زايد مؤامراته مع جاسوس محترف هو القيادي المفصول من حركة «فتح»، محمد دحلان، الذي كان له دور في توسيع النفوذ الإماراتي، ليس في الشرق الأوسط فقط، بل أيضا في أفريقيا وأوروبا. وللأخير تاريخ «خياني» طويل يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، حين جرى تجنيده من قبل «سي آي إي» في شمال أفريقيا، ثم أقام علاقات وثيقة بـ«الموساد» خلال عمله كرئيس لجهاز الأمن الوقائي في غزة. وهو مطلوب للعدالة في تركيا، مقابل 700 ألف دولار، بتهمة المساهمة في محاولة الانقلاب على رجب طيب أردوغان في 2016.

كما كانت له أدوار تخريبية، تمتد من مخيمات الفلسطينيين في لبنان، إلى صربيا، حيث أقام علاقة وثيقة مع ألكسندر فوتشيتش الذي فاز في انتخابات الرئاسة، بناء على وعود إماراتية باستثمارات ضخمة في البلاد. وبين هذه وتلك، تورط في أحداث السودان دعما للمجلس العسكري الانتقالي الذي استولى على السلطة، ثم طبع العلاقات مع إسرائيل، بإيحاء إماراتي. وقبل ذلك، كانت له أصابع في حرب ليبيا، ثم أخيرا ثارت شكوك حول بصمات له في أحداث تونس.

اتهام توم باراك بالعمالة للإمارات يعرض للخطر علاقة الأخيرة بإدارة جو بايدن

«الإنجاز» الأهم لابن زايد، كان اختراق الحلقة الضيقة حول دونالد ترامب، قبل فوز الأخير في انتخابات 2016، عبر طوم براك الذي أوقفته السلطات الأميركية هذا الشهر لاتهامه بأنه كان عميلا غير مسجل للإمارات لدى ترامب، في تطور يبدو أنه سيرتد سلبا على المشغل، خاصة أن المواطن الإماراتي المقيم في الولايات المتحدة، راشد المالك، أوقف معه بالتهمة نفسها.

ولم تكن روسيا البلد الوحيد الذي أرسل موفديه إلى «برج ترامب» خلال حملة الانتخابات الرئاسية عارضا المساعدة؛ إذ يشير تقرير للجنة الاستخبارات حول التدخل الروسي في الانتخابات إلى اجتماع في آب 2016، ضم جورج نادر الذي كان حينها مستشارا لابن زايد، والذي عرض أيضا المساعدة، فيما كان باراك، بصفته رئيس لجنة تنصيب ترامب، يؤدي دور أحد مهندسي العلاقة بين الرئيس وحكام الخليج الفارسي، ويتولى المساهمة في تشكيل السياسة الخارجية للمرشح وفق مصلحة ابن زايد.

حتى أنه ذات مرة دس في خطاب لترامب حول السياسة الخارجية، عبارات عن الخليج الفارسي بطلب من الأخير، وأبلغ مسؤولا إماراتيا كبيرا بأنه رشح موظفين لحملة ترامب الانتخابية، من بينهم المدير السابق للحملة بول مانافورت، ثم سافر إلى الإمارات لإعداد استراتيجية حول ما تريده أبو ظبي من الإدارة في أول مئة يوم، وأول ستة أشهر، وأول سنة من الولاية، ثم في كامل الولاية.

ويضع اعتقال باراك على المحك، علاقة الإمارات بإدارة جو بايدن، التي يتساءل مراقبون عن سبب سماحها بالمضي في الإجراءات، في وقت كان بإمكانها فيه التدخل لإخفاء معلومات تحت قانون يسمح بحجب المعلومات التي تمس بالأمن القومي، لا سيما أن الإمارات واحدة من أقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، وهي التي فتحت باب الاعتراف بإسرائيل أمام دول عربية عدة.

الهدف الدائم لـ«التآمر» الإماراتي يبقى قطر، حتى بعد مصالحة «قمة العلا» الخليجية في السعودية، والتي لم ترض ابن زايد، فيما ذهب ابن سلمان فيها بعيدا، التماسا لمساعدة في الخروج من أكثر من ملف تورط فيه، في ما مثل واحدا من أسباب «الزعل» عن نظيره في أبو ظبي.

وبعد أن روج ابن زايد لابن سلمان في البيت الأبيض، باعتباره سدا في وجه الإسلام السياسي من المستحيل التحرك ضد الجماعات الإسلامية المعادية في العالم، من دون دعمه، عاد وصب تآمره عليه، فتركه غارقا في وحول اليمن، من خلال سحب قواته من هناك، وخوض حرب بالوكالة ضد السعوديين أنفسهم، حيث تقاتل قوات «المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعومة منه، قوات الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي المدعومة من الرياض.

أما الحلقة الأحدث في «مؤامرات» ابن زايد ضد ابن سلمان، فكانت الدفع باتجاه ضرب أسعار النفط في «أوبك»، وهي التي فجرت الخلاف بين الرجلين وأخرجته إلى العلن.

وليس غريبا، والحال هذه، أن يتجسس الرجلان على بعضهما البعض، باستخدام نظام «بيغاسوس» نفسه.

المصدر : قناة العالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى